22 - أمّا المندوب عند الحنفيّة فأربع قبل العصر وقبل العشاء وبعده ، وستّ بعد المغرب . وذهبت الشّافعيّة إلى أنّ غير المؤكّد أن يزيد ركعتين قبل الظّهر وبعدها ، ويندب أربع قبل العصر ، واثنتان قبل العشاء . ولتفصيله ورأي بقيّة المذاهب ارجع إلى المندوب من الصّلوات في ( باب النّوافل ) .
أوقات الكراهة
أوّلاً - أوقات الكراهة لأمرٍ في نفس الوقت
عدد أوقات الكراهة :
23 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ عددها ثلاثة : عند طلوع الشّمس إلى أن ترتفع بمقدار رمحٍ أو رمحين ، وعند استوائها في وسط السّماء حتّى تزول ، وعند اصفرارها بحيث لا تتعب العين في رؤيتها إلى أن تغرب . واستثنى الشّافعيّة الصّلاة بمكّة ويوم الجمعة كما يأتي .
وإنّما كانت هذه الأوقات أوقات كراهةٍ ، لأنّ الشّمس تطلع وتستوي وتصفرّ بين قرني الشّيطان فتكون الصّلاة في هذه الأوقات تشبّهاً بمن يعبدون الشّمس ، لأنّهم يعبدونها في هذه الأوقات . يدلّ على ذلك ما أخرجه مالك في الموطّأ والنّسائيّ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ الشّمس تطلع ومعها قرن الشّيطان ، فإذا ارتفعت فارَقَها ، ثمّ إذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها ، ونهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة في تلك السّاعات » .
وذهب المالكيّة إلى أنّ عدد أوقات الكراهة اثنان : عند الطّلوع وعند الاصفرار ، أمّا وقت الاستواء فلا تكره الصّلاة فيه عندهم ، وحجّتهم في ذلك عمل أهل المدينة ، فإنّهم كانوا يصلّون في وقت الاستواء ، وعمل أهل المدينة حجّة عند مالكٍ ، لأنّ المدينة موطن الرّسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، والوحي كان ينزل بين ظهرانيهم ، فلو صحّ حديث عقبة بن نافعٍ الّذي سنذكره فيما بعد ، والّذي يدلّ على النّهي في وقت الاستواء ، لعملوا به .
وذهبت الشّافعيّة إلى أنّ الأوقات الثّلاثة مكروهة إلاّ في مكّة ، وإلاّ يوم الجمعة عند الاستواء . أمّا في مكّة فلقوله صلى الله عليه وسلم « يا بَني عبد منافٍ لا تَمْنَعُوا أحداً طافَ بهذا البيتِ وصلَّى أيّةَ ساعةٍ شاءَ من ليلٍ أو نهارٍ »
وأمّا يوم الجمعة عند الاستواء فلأنّ المسلمين كانوا يصلّون في خلافة عمر في وقت الاستواء حتّى يخرج إليهم عمر ليخطب فيهم ، ولم ينكر عليهم ذلك .
24 - ولا يعلم خلاف بين الفقهاء في كراهة التّطوّع المطلق في هذه الأوقات .
أمّا السّنن ، فقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى كراهتها لحديث عقبة بن عامرٍ :
« ثلاث ساعاتٍ كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلّي فيهنّ ، أو أن نقبر فيهنّ موتانا : حين تطلع الشّمس بازغةً حتّى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظّهيرة حتّى تميل الشّمس ، وحين تضيّف الشّمس للغروب - أي حين تميل - حتّى تغرب » .
والمراد بقبر الموتى في الحديث صلاة الجنازة ، لا الدّفن ، فإنّ الدّفن في هذه الأوقات غير مكروهٍ . وعن مالكٍ روايتان : إحداهما إباحة السّنن في هذه الأوقات ، إلاّ تحيّة المسجد فإنّها مكروهة عنده ، والثّانية : كراهة السّنن مطلقاً في هذه الأوقات .
وحجّته على الرّواية الأوّل : أنّه ورد في هذا الموضوع دليلان متعارضان يمكن الجمع بينهما أحدهما : حديث عقبة المارّ ذكره ، والّذي يدلّ على كراهة الصّلاة أيّ صلاةٍ كانت في هذه الأوقات .
ثانيهما : قوله صلى الله عليه وسلم « إذا رقد أحدكم عن الصّلاة أو غفل فليصلّها إذا ذكرها » ، فإنّ هذا الحديث يدلّ على جواز الصّلاة في كلّ وقتٍ عند التّذكّر .
وأشار ابن رشدٍ إلى أنّه يمكن الجمع بين الحديثين ، بأن نستثني من الصّلوات المنهيّ عنها في حديث عقبة السّنن ، ويكون النّهي منصّباً على الفرائض ، أمّا السّنن فليست منهيّاً عنها.
وحجّة مالكٍ على الرّواية الثّانية ، وهي كراهة السّنن في هذه الأوقات : حديث عقبة الّذي يدلّ على كراهة الصّلاة مطلقاً فيها .
وأجاز الشّافعيّة صلاة الكسوف وتحيّة المسجد إذا دخل المسجد لا لغرض أن يصلّيها ، بأن دخل المسجد لقضاء حاجةٍ ، ثمّ صلّى تحيّة المسجد . وأجاز الحنابلة ركعتي الطّواف .
25 - وأمّا حكم صلاة الفرض والواجب في هذه الأوقات ، فقد ذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز قضاء ما فاته في هذه الأوقات ، لحديث عقبة المارّ ذكره ، والّذي يدلّ على النّهي عن الصّلاة فيها مطلقاً . ولا تجوز صلاة الجنازة إذا حضرت في غير الوقت المكروه ، ثمّ أخّرت الصّلاة عليها بدون عذرٍ إلى الوقت المكروه . ولا تجوز سجدة تلاوةٍ تليت آيتها أو سمعت في غير الوقت المكروه ، ثمّ سجد لها التّالي أو السّامع في الوقت المكروه . أمّا إذا حضرت الجنازة في الوقت المكروه ، ثمّ صلّى عليها في هذا الوقت ، فهي صحيحة مع الكراهة . ومثل ذلك سجدة التّلاوة إذا تليت آيتها في الوقت المكروه ، ثمّ سجد لها التّالي أو السّامع في هذا الوقت ، فإنّها تصحّ مع الكراهة .
ودليل الحنفيّة على عدم صحّة صلاة الجنازة ، إذا حضرت الجنازة في الوقت غير المكروه ، ثمّ أخّرت الصّلاة عليها إلى الوقت المكروه : حديث عقبة المارّ ذكره . ودليلهم على صحّة صلاة الجنازة وسجدة التّلاوة مع الكراهة : أن ما وجب في وقتٍ ناقصٍ يؤدّي في النّاقص مع الكراهة ، وما وجب في كاملٍ لا يؤدّى في النّاقص ، ومن أجل ذلك صحّ عصر اليوم مع الكراهة ، إذا أدّي في وقت الاصفرار ، لأنّه وجب في ناقصٍ فيؤدّى كما وجب ، ولم يصحّ عصر أمس إذا أدّاه في وقت الاصفرار ، اليوم ، لأنّه وجب في كاملٍ فلا يؤدّى في النّاقص . وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز قضاء الفائتة في هذه الأوقات الثّلاثة ، لحديث : « إذا رقد أحدكم عن الصّلاة أو غفل عنها فليصلّها إذا ذكرها » ، دلّ الحديث على جواز قضاء الفائتة في كلّ وقتٍ عند التّذكّر .
ثانياً : أوقات الكراهة لأمرٍ في غير الوقت
26 - وهي عشرة أوقاتٍ ، كما ذكرها الشّرنبلاليّ : وأوصلها ابن عابدين إلى نيّفٍ وثلاثين موضعاً ، أهمّها :
الوقت الأوّل : قبل صلاة الصّبح .
27 - ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهية التّنفّل قبل صلاة الصّبح إلاّ بسنّة الفجر .
وذهب المالكيّة إلى أنّه يجوز أن يصلّي الوتر إذا كان من عادته أن يصلّيه باللّيل ، فلم يصلّه حتّى طلع الفجر . واستدلّ الجمهور على كراهة التّنفّل قبل صلاة الصّبح بقوله صلى الله عليه وسلم « لِيبلّغْ شاهدُكم غائِبَكُمْ ، ولا تصلّوا بعد الفجر إلاّ سَجْدتين » .
أي لا صلاة بعد طلوع الفجر إلاّ ركعتي الفجر .
الوقت الثّاني : بعد صلاة الصّبح :
28 - اتّفق الفقهاء على كراهة التّنفّل المطلق ( وهو ما لا سبب له ) بعد صلاة الصّبح ، لما رواه الشّيخان أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا صلاةَ بعد صلاة العصر حتّى تغربَ الشّمسُ ، ولا صلاةَ بعد صلاةِ الصّبحِ حتّى تطلع الشّمس » .
وذهب الشّافعيّة إلى جواز أداء كلّ صلاةٍ لها سبب ، كالكسوف والاستسقاء والطّواف ، وسواء أكانت فائتةً فرضاً أم نفلاً ، « لأنّه صلى الله عليه وسلم صلّى بعد العصر ركعتين وقال : هما اللّتان بعد الظّهر » .
وذهب الحنابلة إلى جواز الإتيان بسنّة الفجر بعد صلاة الصّبح ، إذا نسيها ولم يتذكّرها إلاّ بعد صلاة الصّبح ، لما روي عن قيس بن فهدٍ قال : « خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصّلاة ، فصلّيت معه الصّبح ، فوجدني أصلّي ، فقال : مهلاً يا قيس أصلاتان معاً ؟ قلت : يا رسول اللّه إنّي لم أكن ركعت ركعتي الفجر . قال : فلا إذن » ظنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ الرّجل يصلّي الصّبح بعد أن صلّاه معه ، فأنكر عليه ، فلمّا علم أنّه يصلّي سنّة الفجر لم ينكر عليه . ولأنّه صلى الله عليه وسلم قضى سنّة الظّهر بعد العصر ، وسنّة الفجر في معناها .
الوقت الثّالث : بعد صلاة العصر :
29 - ذهبت الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى كراهة التّنفّل المطلق بعد صلاة العصر ، لحديث الشّيخين الّذي تقدّم : « لا صلاة بعد صلاة العصر » .
وذهب الحنابلة إلى جواز قضاء سنّة الظّهر بعد صلاة العصر ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى نافلة الظّهر بعد صلاة العصر .
الوقت الرّابع : قبل صلاة المغرب :
30 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى كراهة التّنفّل قبل صلاة المغرب ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « بين كلّ أذانين صلاة إلاّ المغرب » . والمراد بالأذانين : الأذان والإقامة ، فبين أذان الصّبح وإقامته سنّة الفجر ، وبين أذان الظّهر وإقامته سنّة الظّهر القبليّة ، وبين أذان العصر وإقامته أربع ركعاتٍ مندوبةً عند الحنفيّة ، وبين أذان العشاء وإقامته أربع ركعاتٍ مندوبةً عند الحنفيّة إلاّ المغرب لقصر وقته .
وقال الشّافعيّة : صلاة ركعتين قبل المغرب سنّة على الصّحيح كما قال النّوويّ ، للأمر بهما في حديث أبي داود « صلّوا قبل صلاة المغرب ركعتين » ، وقال الحنابلة : هما جائزتان ، وليستا بسنّةٍ . كما استدلّوا أيضاً بما رواه مسلم عن أنس بن مالكٍ : « كنّا بالمدينة فإذا أذّن المؤذّن لصلاة المغرب ابتدروا السّواري ، فيركعون ركعتين ركعتين حتّى إنّ الرّجل الغريب ليدخل المسجد ، فيحسب أنّ الصّلاة قد صلّيت من كثرة من يصلّيهما » .
الوقت الخامس : عند خروج الخطيب حتّى يفرغ من صلاته :
31 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى كراهة التّنفّل عند خروج الخطيب إلى المنبر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا قلت لصاحبك أنصت - والإمام يخطب - فقد لغوت » . دلّ الحديث على أنّ من يأمر غيره بالإنصات ، كان أمره لغواً من الكلام منهيّاً عنه ، فإذا كان الأمر بالإنصات - وهو أمر بمعروفٍ - لغواً من الكلام منهيّاً عنه ، كان التّنفّل لغواً من الأعمال منهيّاً عنه ، أضف إلى ذلك أنّ التّنفّل يفوّت الاستماع إلى الخطيب الّذي هو واجب ، فلا يترك الواجب من أجل النّفل .
واستثنى الشّافعيّة والحنابلة تحيّة المسجد لمن دخل والإمام يخطب ، فأجازوا التّنفّل بركعتين . لحديث جابرٍ قال : « جاء سليك الغطفانيّ في يوم الجمعة ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس ، فقال له : يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوّز فيهما » .
الوقت السّادس : عند الإقامة :
32 - ذهبت الحنفيّة إلى كراهة التّنفّل عند الإقامة للصّلاة المفروضة ، إلاّ سنّة الفجر إذا لم يخف فوت الجماعة ، أمّا إذا خاف فوتها تركها ، وإنّما كره التّنفّل لقوله صلى الله عليه وسلم « إذا أقيمت الصّلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة » . واستثنى من الحديث سنّة الفجر لكونها آكد السّنن . وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا دخل المسجد فوجد الإمام يصلّي الصّبح ، فليدخل معه في صلاته ، ويترك سنّة الفجر . وإن كان خارج المسجد : فإن خاف أن يفوته الإمام بركعةٍ ترك سنّة الفجر وقضاها بعد طلوع الشّمس ، وإن لم يخف أن يفوته الإمام بركعةٍ أتى بالسّنّة خارج المسجد .
والفرق بين كونه خارج المسجد وكونه داخله : أنّه إذا كان داخل المسجد وصلّى سنّة الفجر ، والإمام يصلّي الصّبح ، كانتا صلاتين معاً في موضعٍ واحدٍ ، ويكون مختلفاً مع الإمام ، فهو يصلّي نفلاً ، والإمام يصلّي فرضاً ، وهو منهيّ عنه ، لما روي عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن قال : « سمع قوم الإقامة ، فقاموا يصلّون ، فخرج عليهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : أصلاتان معاً ؟ أصلاتان معاً ؟ » وذلك في صلاة الصّبح في الرّكعتين اللّتين قبل الصّبح . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا أقيمت الصّلاة فلا يشرع في صلاةٍ نافلةٍ ولو راتبةً ، ولو شرع فيها لا تنعقد ، ويستوي في ذلك سنّة الفجر وغيرها من السّنن ، للحديث السّابق .
الوقت السّابع : قبل صلاة العيد وبعدها :
33 - ذهبت الحنفيّة إلى كراهة التّنفّل قبل صلاة العيد في المنزل والمسجد ، وبعد الصّلاة يكره التّنفّل في المسجد ، ولا يكره في المنزل ، لأنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يصلّي قبل العيد شيئاً ، فإذا رجع إلى المنزل صلّى ركعتين » .
وذهب الحنابلة إلى كراهة التّنفّل قبل صلاة العيد وبعدها .
وذهب المالكيّة إلى كراهة التّنفّل قبلها وبعدها في المصلّى في المسجد .
ومذهب الشّافعيّة أنّه لا يكره التّنفّل قبلها ولا بعدها بعد ارتفاع الشّمس لغير الإمام .
الوقت الثّامن : بين الصّلاتين المجموعتين في كلٍّ من عرفة ومزدلفة :
34 - ذهب الفقهاء إلى كراهة التّنفّل بين الصّلاتين المجموعتين جمع تقديمٍ في عرفة ، والمجموعتين جمع تأخيرٍ في مزدلفة ، فإذا جمع الإمام بين الظّهر والعصر بعرفة ، يصلّي الظّهر والعصر في وقت الظّهر ، ويترك سنّة الظّهر البعديّة ، ومثل ذلك المغرب والعشاء . فيصلّي المغرب والعشاء في وقت العشاء ، ويترك سنّة المغرب البعديّة ، لأنّه صلى الله عليه وسلم لم يتطوّع بينهما .
قال القرطبيّ : فأمّا الفصل بين الصّلاتين بعملٍ غير الصّلاة ، فقد ثبت عن أسامة بن زيدٍ
« أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا جاء المزدلفة نزل فتوضّأ ، فأسبغ الوضوء ، ثمّ أقيمت الصّلاة فصلّى المغرب ، ثمّ أناخ كلّ إنسانٍ بعيره في منزله ، ثمّ أقيمت العشاء فصلّى ، ولم يصلّ بينهما » . وقال ابن المنذر : لا أعلم خلافاً في أنّ السّنّة ألاّ يتطوّع بين الصّلاتين . الوقت التّاسع : عند ضيق وقت المكتوبة :
35 - لا يعلم خلاف بين الفقهاء في أنّه يحرم التّنفّل عند ضيق وقت المكتوبة ، فإذا ضاق وقت الظّهر مثلاً ، ولم يبق منه إلاّ ما يسع صلاته ، حرم التّنفّل لما في التّنفّل من ترك أداء الصّلاة المفروضة والاشتغال بالنّفل ، وصرّح المالكيّة والحنابلة بأنّه لم تنعقد نافلةً - ولو راتبةً - مع ضيق الوقت .
حكم الصّلاة في غير وقتها
تأخير الصّلاة بلا عذرٍ :
36 - لا يعلم خلاف بين الفقهاء في أنّ تأخير الصّلاة عن وقتها بدون عذرٍ ذنب عظيم ، لا يرفع إلاّ بالتّوبة والنّدم على ما فرّط من العبد ، وقد سمّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك بأنّه مفرّط أي مقصّر ، حيث قال : « ليس التّفريط في النّوم ، إنّما التّفريط في اليقظة ». 37 - أمّا تأخيرها بعذر النّسيان ، فلا نعلم خلافاً بين الفقهاء أيضاً في أنّ العبد غير مؤاخذٍ على هذا التّأخير لقوله صلى الله عليه وسلم : « رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » .
38 - وأمّا تأخيرها بعذر النّوم ، فالّذي يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم : « ليس في النّوم تفريط ، إنّما التّفريط في اليقظة ، فإذا نسي أحدكم صلاةً أو نام عنها فليصلّها إذا ذكرها » .
إنّ النّوم الّذي يترتّب عليه تأخير الصّلاة عن وقتها لا يؤاخذ عليه العبد ، ولا يعتبر مفرّطاً ، وقد نام النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصّبح في حديث التّعريس عن أبي قتادة قال
: « سرنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليلةً ، فقال بعضُ القوم : لو عَرَّسْتَ بنا يا رسول اللّه ، قال : أخافُ أن تناموا عن الصّلاةِ ، قال بلالٌ : أنا أوقظكم ، فاضطجعوا ، وأسندَ بلالٌ ظهره إلى راحلته ، فغلبته عيناه فنامَ ، فاستيقظ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشّمسِ فقال : يا بلال أينَ ما قلتَ ؟ فقال : ما أُلقيتْ عليّ نومة مثلها قطّ ، قال : إنّ اللّه قبضَ أرواحَكم حين شاء ، وردَّها عليكم حين شاء ، يا بلال قم فأذّن النّاس بالصّلاة ، فتوضّأ ، فلمّا ارتفعت الشّمسُ ، وابياضّت ، قام فصلّى بالنّاس » غير أنّه يفهم من هذا الحديث أنّه إذا غلب على ظنّه أنّه لو نام تفوته الصّلاة يكلّف أحداً بإيقاظه ، وهو ما يفهم من مذهب الحنفيّة والمالكيّة .
وقد قال الحنفيّة : إنّه يكره النّوم قبل صلاة العشاء ، وهو مذهب مالكٍ والشّافعيّة وأحمد ، لحديث « أنّه صلى الله عليه وسلم كان يكره النّوم قبلها والحديث بعدها » .
وفي قولٍ للشّافعيّة يكره النّوم قبل الصّلاة في جميع الأوقات ، والظّاهر عندهم كراهة النّوم بعد دخول الوقت ، أمّا قبل دخوله فجائز عندهم .
39 - أمّا تأخير الصّلاة عن وقتها ، أو تقديمها بعذر السّفر أو المطر ، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الجمع بعذر السّفر أو المطر لما رواه الشّيخان عن ابن عمر قال : « رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا عجّل به السّير في السّفر يؤخّر المغرب حتّى يجمع بينها وبين العشاء » . وروى الشّيخان عن أنس بن مالكٍ قال : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشّمس - أي قبل أن تزول الشّمس عن وسط السّماء - أَخّر الظّهرَ إلى وقتِ العصرِ ، ثمّ نزل ، فجمع بينهما ، فإن زاغت الشّمسُ قبل أن يَرْتَحل صلّى الظّهر ثمّ ركب » . دلّ الحديث الأوّل على أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا كان مسافراً ، وأسرع في السّير ، ليصل إلى غرضه في الوقت المناسب ، أخّر المغرب حتّى يجمع بينها وبين العشاء . ودلّ الحديث الثّاني على أنّه صلى الله عليه وسلم إذا ابتدأ السّفر قبل دخول وقت الظّهر ، أخّر الظّهر وجمع بينها وبين العصر ، وإذا ابتدأ السّفر قبل دخول وقت الظّهر ، صلّاها ثمّ سافر ، ولم يجمع بينها وبين العصر ، ويستدلّ للجمهور أيضاً بالأحاديث الواردة في الجمع بين الصّلاتين للسّفر وغيره .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز ذلك إلاّ في عرفة ومزدلفة ، في اليوم التّاسع من ذي الحجّة ، فيجمع الإمام بين الظّهر والعصر جمع تقديمٍ ، بأن يصلّي الظّهر والعصر في وقت الظّهر بعرفاتٍ ، ويجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخيرٍ بمزدلفة فيصلّي المغرب والعشاء في وقت العشاء . واشترط أبو حنيفة لجواز هذا الجمع : أن يكون محرماً بحجٍّ لا عمرةٍ ، وأن تكون هذه الصّلاة بجماعةٍ ، وأن يكون الإمام في جمع عرفة هو السّلطان أو نائبه .
ولم يشترط أبو يوسف ومحمّد - صاحبا أبي حنيفة - أن تكون الصّلاة بجماعةٍ ، وأجازوا للمحرم بحجٍّ أن يصلّي صلاة الجمع ولو كان منفرداً ، أمّا الجمع في مزدلفة فلا يشترط فيه غير الإحرام والمكان ، وهو مزدلفة .
40 - وقد تضمّن مذهب أبي حنيفة وأصحابه في هذه المسألة أمرين :
الأوّل : أنّه يجوز الجمع في عرفة ومزدلفة بالشّروط السّابقة .
الثّاني : لا يجوز الجمع في غير ذلك بعذر سفرٍ أو مطرٍ .
أمّا الأمر الأوّل فدليله : أنّ الّذين رَوَوْا نسك النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حجّه ، اتّفقوا على أنّه كان يجمع هذا الجمع المذكور .
وأمّا الأمر الثّاني - وهو أنّه لا يجوز الجمع في غير عرفة ومزدلفة بعذر سفرٍ أو مطرٍ - فدليله : أنّ الصّلوات المفروضة عرفت مؤقّتةً بأوقاتها بالدّلائل المقطوع بها من الكتاب والسّنّة المتواترة والإجماع ، فلا يجوز تغييرها عن أوقاتها بنوعٍ من الاستدلال وخبر الواحد ، والسّفر أو المطر لا أثر لهما في تأخير الصّلاة عن وقتها أو تقديمها عن وقتها .
من لم يجد بعض الأوقات الخمسة
41 - اختلف علماء الحنفيّة فيمن لم يجد بعض الأوقات الخمسة ، كسكّان المناطق القطبيّة ، فإنّ هذه المناطق تستمرّ في نهارٍ دائمٍ ستّة أشهرٍ ، وفي ليلٍ دائمٍ ستّة أشهرٍ أخرى ، كما يقول الجغرافيّون ، فهل يجب على سكّان هذه المناطق - إن كانوا مسلمين - أن يصلّوا الصّلوات الّتي لم يجدوا وقتاً لها ، بأن يقدّروا لكلّ صلاةٍ وقتاً أو تسقط عنهم هذه الصّلوات ؟ . وكذلك في بعض البلاد القريبة من المناطق القطبيّة ، تأتي فيها فترات لا يوجد وقت العشاء ، أو يطلع الفجر بعد مغيب الشّفق مباشرةً .
وفي بعض المناطق لا تغيب الشّمس مطلقاً . ذهب بعض علماء الحنفيّة إلى عدم سقوط هذه الصّلوات عنهم ، ويقدّرون لكلّ صلاةٍ وقتاً ، ففي السّتّة الأشهر الّتي تستمرّ في نهارٍ دائمٍ يقدّرون للمغرب والعشاء والوتر والفجر وقتاً ، مثل ذلك السّتّة الأشهر الأخرى يقدّرون للصّبح والظّهر والعصر وقتاً ، باعتبار أقرب البلاد الّتي لا تتوارى فيها الأوقات الخمسة . وقد استدلّوا على ذلك بالقياس على أيّام الدّجّال ، الّذي هو من علامات السّاعة الكبرى ، فقد أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالتّقدير فيها ، في الحديث الّذي رواه مسلم قال : « ذكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم الدّجّال ولبثه في الأرض أربعين يوماً : يوم كسنةٍ ، ويوم كشهرٍ ، ويوم كجمعةٍ ، وسائر أيّامه كأيّامكم . قال الرّاوي قلنا : يا رسول اللّه : أرأيت اليوم الّذي كالسّنة ، أتكفينا فيه صلاة يومٍ ؟ قال : لا ، ولكن اقدروا له » . أي صلّوا صلاة سنةٍ في اليوم الّذي هو كسنةٍ ، وقدّروا لكلّ صلاةٍ وقتاً .
وذهب بعض فقهاء الحنفيّة إلى سقوط الصّلوات الّتي لم يجدوا وقتاً لها ، لأنّ الوقت سبب للوجوب ، فإذا عدم السّبب - وهو الوقت - عدم المسبّب وهو الوجوب .
وهذا ينطبق على البلاد الّتي يقصر فيها اللّيل أربعين يوماً في الصّيف ، فقبل أن يغيب الشّفق الأحمر ، يظهر الفجر الصّادق فلا يوجد وقت للعشاء والوتر ، لأنّ أوّل وقت العشاء مغيب الشّفق الأحمر ، وقد ظهر الفجر الصّادق قبل أن يغيب الشّفق .
فذهب بعض علماء الحنفيّة والمالكيّة إلى عدم سقوط الوتر والعشاء عن أهل هذه البلاد ، بل يقدّرون للعشاء والوتر وقتاً باعتبار أقرب البلاد إليهم . وذهب بعض آخر من علماء الحنفيّة إلى سقوط الوتر والعشاء ، وهو الّذي مشى عليه صاحب نور الإيضاح وعبارته : ومن لم يجد وقتها لم تجب عليه . لكنّه خلاف المذهب وما عليه المتون .
وذهب بعض المالكيّة ، وهو مذهب الشّافعيّة إلى تقدير مغيب شفق أقرب البلاد إليهم ، فإذا كان أقرب البلاد إليهم يغيب فيها الشّفق بعد ساعةٍ من غروب الشّمس ، ومدّة اللّيل في هذه البلاد ثماني ساعاتٍ ، فيكون أوّل العشاء عندهم بعد ساعةٍ من غروب الشّمس ، وإذا كانت مدّة اللّيل في البلاد الّتي ليس فيها عشاء اثنتي عشرة ساعةً ، فيقدّر مغيب الشّفق عندهم بساعةٍ ونصفٍ من غروب الشّمس ، لأنّ مدّة بقاء الشّفق في أقرب البلاد إليهم ساعة ، وهي تعادل الثّمن من اللّيل ، لأنّ اللّيل عندهم ثماني ساعاتٍ ، والبلاد الّتي ليس فيها عشاء وليلها اثنتا عشرة ساعةً ، يقدّر لغياب الشّفق ثمن هذه المدّة ، وهي ساعة ونصف .
وذهب الشّافعيّة إلى وجوب قضاء العشاء على أهل هذه البلاد ، ولا يسقط عنهم .
قال ابن عابدين : هذه المسألة نقلوا فيها الخلاف بين ثلاثةٍ من مشايخنا وهم : البقّاليّ والحلوانيّ والبرهانيّ الكبير ، وأفتى البقّاليّ : بعدم الوجوب ، وكان الحلوانيّ يفتي بالقضاء ، ثمّ وافق البقّاليّ حينما أرسل إليه من يسأله عمّن أسقط صلاةً من الصّلوات الخمس : أيكفر ؟ فأجاب البقّاليّ السّائل : من قطعت يداه أو رجلاه كم فروض وضوئه ؟ قال : ثلاث . قال : فكذلك الصّلاة ، فاستحسن الحلوانيّ ، ورجع إلى قول البقّاليّ بعدم الوجوب . أمّا الكمال ابن الهمام فقد رجّح القول بالوجوب ، ومنع ما أفتى به البقّاليّ من القول بعدم الوجوب لعدم السّبب وهو الوقت ، كما يسقط غسل اليدين عن مقطوعهما .
وقال : لا يرتاب متأمّل في ثبوت الفرق بين عدم محلّ الفرض ، وبين عدم السّبب وهو الوقت . إلى أن قال : وانتفاء الدّليل على الشّيء لا يلزم فيه انتفاء هذا الشّيء ، لجواز دليلٍ آخر . وقد وجد وهو ما تواطأت عليه أخبار الإسراء ، من فرض اللّه تعالى الصّلوات الخمس ، وجعلها شرعاً عامّاً لأهل الآفاق ، لا تفضيل بين قطرٍ وقطرٍ .
قال ابن عابدين : وقد ورد في هذه المسألة قولان مصحّحان في المذهب ، والأرجح القول بالوجوب ، لا سيّما إذا قال به إمام من الأئمّة ، وهو الشّافعيّ رضي الله عنه ، وهل ينوي القضاء أو لا ينويه ؟ ذكر في الظّهيريّة أنّه لا ينوي القضاء لفقد وقت الأداء ، واعترضه الزّيلعيّ بأنّه إذا لم ينو القضاء يكون أداءً ، ضرورةً لا واسطة بينهما ، وهي ليست أداءً ، لأنّ الوقت الّذي صلّيت فيه ليس وقتاً لصلاة العشاء ، بل وقت لصلاة الصّبح .
ومعنى التّقدير عند الحنفيّة : افتراض أنّ الوقت موجود ، وإن كان الوقت وقتاً لصلاة الصّبح ، وهذا بخلاف معنى التّقدير عند الشّافعيّة وبعض المالكيّة ، على ما بيّنّاه سابقاً من مذهبهم . أمّا البلاد الّتي يقصر فيها وقت الظّهر ، فيبلغ ظلّ الشّيء مثله بعد زوال الشّمس عن وسط السّماء بوقتٍ قصيرٍ لا يتمكّن فيه المصلّي من صلاة الظّهر ، فلم نجد في كتب الفقهاء نصّاً على حكم هذه المسألة .
===============
أوقاص *
التّعريف :
1- الأوقاص : جمع وقصٍ بفتحتين ، وقد تسكن القاف ، والوقص من معانيه في اللّغة : قصر العنق ، كأنّما ردّ في جوف الصّدر . والكسر : يقال : وقصت عنقه أي : كسرت ودقّت . وقد استعمل في الشّرع : لما بين الفريضتين في أنصبة زكاة الإبل والبقر والغنم ، أو هو : ما بين الفريضتين في الغنم والبقر ، أو في البقر خاصّةً ، وهو واحد الأوقاص .
فمثلاً إذا بلغت الغنم أربعين ، ففيها شاة إلى أن تبلغ مائةً وعشرين ، فإذا بلغت مائةً وإحدى وعشرين ، ففيها شاتان . فالثّمانون الّتي بين الأربعين وبين المائة وإحدى وعشرين وقصٍ . الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الأشناق :
2 - الأشناق : جمع شنقٍ ، هذا وجاء في المصباح وغيره من كتب اللّغة أنّ الشّنق بفتحتين : ما بين الفريضتين ، وبعضهم يقول : هو الوقص ، وبعض الفقهاء يخصّ الشّنق بالإبل ، والوقص بالبقر والغنم . وفسّر مالك الشّنق بما يزكّى من الإبل بالغنم . كالخمس من الإبل ففيها شاة ، والعشر فيها شاتان ، والخمس عشرة فيها ثلاث شياهٍ ، والعشرين فيها أربع .
ب - العفو :
3 - يقال لما بين الفريضتين أيضاً : العفو ، وهو في اللّغة مصدر عفا ، ومن معانيه : المحو والإسقاط . وأمّا عند الفقهاء فإنّه كالوقص ، بمعنى أنّه الّذي يفصل بين الواجبين في زكاة النّعم ، أو في كلّ الأموال ، وسمّي عفواً لأنّه معفوّ عنه ، أي لا زكاة فيه .
الحكم الإجماليّ ومواطن البحث :
أوقاص الإبل :
4 - يبحث عن الأحكام الخاصّة بالأوقاص في مصطلح ( زكاة ) أي فيما يتعلّق منها بزكاة النّعم ، وهي الإبل والبقر والغنم ، إذ الأوقاص كما سبق : ما بين الفريضتين من كلّ الأنعام ، والمراد بالفريضتين النّصابان . فما بين كلّ نصابين يعتبر وقصاً .
هذا ، والأوقاص في الإبل على خمس مراتب :
الأولى : الأربعة الّتي تفصل بين ما تجب فيه الشّاة وهي الخمس من الإبل ، والشّاتان وهي العشر ، والثّلاث شياهٍ وهي الخمس عشرة ، والأربع شياه وهي العشرون ، وبنت المخاض وهي الخمس والعشرون .
الثّانية : العشرة ، وهي الّتي تفصل بين ما تجب فيه بنت المخاض ، وهي الخمس والعشرون ، وما تجب فيه بنت اللّبون وهي السّتّ والثّلاثون .
الثّالثة : التّسعة ، وهي الّتي تفصل بين ما تجب فيه بنت اللّبون وهي السّتّ والثّلاثون ، وما تجب فيه الحقّة ، وهي السّتّ والأربعون .
الرّابعة : الأربع عشرة ، وهي الّتي تفصل بين ما تجب فيه الحقّة وهي السّتّ والأربعون ، وما تجب فيه الجذعة وهي الإحدى والسّتّون . وهي الّتي تفصل أيضاً بين ما تجب فيه الجذعة وهي الإحدى والسّتّون ، وما تجب فيه بنتا اللّبون وهي السّتّ والسّبعون ، والّتي تفصل أيضاً بين هذه وبين ما تجب فيه الحقّتان وهي الإحدى والتّسعون .
الخامسة : التّسع والعشرون ، وهي الّتي تفصل بين ما تجب فيه الحقّتان وهي الإحدى والتّسعون ، وما تجب فيه ثلاث بنات لبونٍ وهي الإحدى والعشرون بعد المائة عند ابن القاسم من المالكيّة وعند الشّافعيّة والحنابلة ، إذ زيادة الواحدة على المائة والعشرين تؤثّر عندهم في تغيير الواجب .
وأمّا الحنفيّة فقد ذكروا أنّ زيادة الواحدة على المائة والعشرين لا تؤثّر في تغيير الواجب ، وإنّما يتغيّر الواجب عندهم بزيادة خمسٍ ، فيستمرّ أخذ الحقّتين عندهم إلى أربعٍ وعشرين بعد المائة . فالمرتبة الخامسة من مراتب الوقص على هذا القول تكون ثلاثاً وثلاثين .
والّذي ارتضاه الإمام مالك أنّ الواجب بعد المائة والعشرين يتغيّر بزيادة عشرةٍ ، فإن كان الزّائد أقلّ من ذلك ، فإنّ السّاعي مخيّر بين أخذ الحقّتين أو ثلاث بنات لبونٍ .
والتّفصيل مع الأدلّة وما قيل فيها محلّه مصطلح : ( زكاةٍ ) .
أوقاص البقر :
5 - الأوقاص في البقر لا تخرج عن عددين :
أحدهما : التّسعة ، وهي الّتي تفصل بين ما يجب فيه التّبيع أو التّبيعة ، وهو الثّلاثون ، وما يجب فيه المسنّة أو المسنّ وهو الأربعون ، وهو الّتي تقع أيضاً بعد العدد الّذي يتغيّر فيه الواجب بزيادة عشرةٍ اتّفاقاً وهو السّتّون ، وما فوقها كالتّسعة الّتي بين السّتّين والسّبعين . والسّبعين والثّمانين . وهكذا .
الثّاني : التّسعة عشر ، وهي الّتي تفصل بين العدد الّذي تجب فيه المسنّة أو المسنّ على خلافٍ في ذلك وهو الأربعون ، والعدد الّذي يتغيّر بعده الواجب بزيادة عشرةٍ وهو السّتّون ، فإنّها وقص لا زكاة فيه عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ومحمّدٍ من الحنفيّة . هذا وتذكر كتب الحنفيّة ثلاث رواياتٍ عن أبي حنيفة في البقر إذا زاد عددها على الأربعين . سيأتي ذكرها .
أوقاص الغنم :
6 - الأوقاص في الغنم تكون على النّحو التّالي :
أوّلاً : الثّمانون ، وهي الّتي تفصل بين ما تجب فيه الشّاة الواحدة وهي الأربعون ، وما تجب فيه الشّاتان وهي الإحدى والعشرون بعد المائة .
ثانياً : التّسع والسّبعون ، وهي الّتي تفصل بين ما تجب فيه الشّاتان وهي الإحدى والعشرون بعد المائة ، وما تجب فيه الثّلاث الشّياه وهي الواحدة بعد المائتين .
ثالثاً : التّسع والتّسعون ، وهي الّتي تقع بعد العدد الّذي تجب فيه الثّلاث الشّياه وهو الواحد بعد المائتين وقبل العدد الّذي يتغيّر بعده الواجب بزيادة مائةٍ وهو الثّلاثمائة ، فيستمرّ بعد ذلك الوقص على تسعٍ وتسعين .
زكاة أوقاص الإبل :
7 - ذكر الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في زكاة أوقاص الإبل قولين :
أحدهما : أنّها لا زكاة فيها ، لأنّ الزّكاة إنّما تتعلّق بالنّصاب فقط ، ولأنّ الوقص عفو بعد النّصاب كما هو عفو أيضاً قبل النّصاب ، فالأربعة الواقعة بعد الخمسة وقبل العشرة عفو ، إذ هي كالأربعة الواقعة قبل الخمس . وهذا القول هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، وهو أيضاً أحد قولين في مذهب المالكيّة ، وقول الشّافعيّة أيضاً في القديم والجديد .
الثّاني : أنّها تزكّى ، وهو قول محمّدٍ وزفر من الحنفيّة ، وهو أيضاً القول الّذي رجع إليه الإمام مالك ، وهو أيضاً قول الشّافعيّ في رواية البويطيّ ، ودليل هذا القول حديث أنسٍ :
« في أربعٍ وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كلّ خمسٍ شاة ، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاضٍ أنثى » ، فجعل الفرض في النّصاب وما زاد . ولأنّه زيادة على نصابٍ فلم يكن عفواً ، كالزّيادة على نصاب القطع في السّرقة .
ويظهر أثر الخلاف - كما جاء في حاشية ابن عابدين - فيمن ملك تسعاً من الإبل ، فهلك بعد الحول منها أربعة لم يسقط شيء على الأوّل ، ويسقط على الثّاني أربعة أتساع شاةٍ . هذا وأمّا الحنابلة فقد ذكروا أنّ الأوقاص لا زكاة فيها قولاً واحداً ، لأنّ الزّكاة إنّما تتعلّق بالنّصاب فقط ، فلو كان له تسع إبلٍ مغصوبةٍ حولاً ، فخلص منها بعيراً ، لزمه خمس شاةٍ .
زكاة أوقاص البقر :
8 - اختلف الفقهاء في زكاة ما زاد على الأربعين إلى السّتّين من البقر على ثلاثة أقوالٍ : أحدها : أنّ هذه الزّيادة وقص لا زكاة فيها ، وهو ما ذهب إليه المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وهو رواية عن أبي حنيفة وصاحبيه ، ودليل هذا القول « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمّا بعث معاذاً إلى اليمن أمره أن يأخذ من كلّ ثلاثين من البقر تبيعاً أو تبيعةً ، ومن كلّ أربعين مسنّاً أو مسنّةً ، فقالوا : الأوقاص ، فقال : ما أمرني فيها بشيءٍ ، وسأسأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا قدمت عليه ، فلمّا قدم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سأله عن الأوقاص فقال : ليس فيها شيء » .
وفسّروها بما بين أربعين إلى ستّين ، ولأنّ الأصل في الزّكاة أن يكون بين كلّ واجبين وقص ، لأنّ توالي الواجبات غير مشروعٍ فيها ، لا سيّما فيما يؤدّي إلى التّشقيص في المواشي .
الثّاني : وهو قول أبي حنيفة في رواية الأصل عنه - وهي الرّواية الثّانية - أنّ ما زاد على الأربعين يجب فيه بحسابه إلى السّتّين ، ففي الواحدة الزّائدة ربع عشر مسنّةٍ ، أو ثلث عشر التّبيع ، وفي الثّنتين نصف عشر مسنّةٍ أو ثلثا عشر تبيعٍ وهكذا . ودليل هذا القول هو أنّ المال سبب الوجوب ، ونصب النّصاب بالرّأي لا يجوز ، وكذا إخلاؤه عن الواجب بعد تحقّق سببه ، وأمّا حديث معاذٍ فهو غير ثابتٍ ، لأنّه لم يجتمع برسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد ما بعثه إلى اليمن في الصّحيح .
الثّالث : وهو قول أبي حنيفة في رواية الحسن عنه - وهي الرّواية الثّالثة - أنّه لا شيء في الزّيادة حتّى تبلغ خمسين ، فإذا بلغتها ففيها مسنّة وربع مسنّةٍ أو ثلث تبيعٍ . ودليل هذا القول هو أنّ الأوقاص من البقر تسع تسع ، كما قبل الأربعين وبعد السّتّين ، فكذا هنا . زكاة أوقاص الغنم :
9 - ولا زكاة في أوقاص الغنم بالاتّفاق
==============
أيّام التّشريق *
التّعريف :
1 - أيّام التّشريق - عند اللّغويّين والفقهاء - ثلاثة أيّامٍ بعد يوم النّحر ، قيل : سمّيت بذلك لأنّ لحوم الأضاحيّ تشرق فيها ، أي تقدّد في الشّمس .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الأيّام المعدودات :
2 - الأيّام المعدودات هي الواردة في قوله تعالى : { واذْكروا اللّه في أيّامٍ مَعْدوداتٍ } وهي أيّام التّشريق الثّلاثة كما ذكر اللّغويّون والفقهاء .
ب - الأيّام المعلومات :