التّعريف :
1 - الأقلف : هو الّذي لم يختن ، والمرأة قلفاء ، والفقهاء يخصّون أحكام الأقلف بالرّجل دون المرأة . ويقابل الأقلف في المعنى : المختون .
وإزالة القلفة من الأقلف تسمّى ختاناً في الرّجل ، وخفضاً في المرأة .
حكمه التّكليفيّ :
2 - اتّفق الفقهاء على أنّ إزالة القلفة من الأقلف من سنن الفطرة ، لتضافر الأحاديث على ذلك ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : « الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ، وقصّ الشّارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الإبط » . كما سيأتي تفصيل ذلك في ( ختان ) .
وذهب الشّافعيّة وأحمد بن حنبلٍ إلى أنّ الختان فرض . وهو قول ابن عبّاسٍ وعليّ بن أبي طالبٍ والشّعبيّ وربيعة الرّأي والأوزاعيّ ويحيى بن سعيدٍ وغيرهم ، وعلى هذا فإنّ الأقلف تارك فرضٍ ، ومنهم من ذهب إلى أنّه سنّة كأبي حنيفة والمالكيّة ، وهو قول الحسن البصريّ .
3 - يختصّ الأقلف ببعض الأحكام :
أ - ردّ شهادته عند الحنفيّة إن كان تركه الاختتان لغير عذرٍ . وهو ما يفهم من مذهبي الشّافعيّة والحنابلة ، لأنّهم يقولون بوجوب الاختتان ، وترك الواجب فسق ، وشهادة الفاسق مردودة . وذهب المالكيّة إلى كراهة شهادته .
ب - جواز ذبيحة الأقلف وصيده ، لأنّه لا أثر للفسق في الذّبيحة والصّيد ، ولذلك فقد ذهب الجمهور - وهو الصّحيح عند الحنابلة - إلى أنّ ذبيحة الأقلف وصيده يؤكلان ، لأنّ ذبيحة النّصرانيّ تؤكل فهذا أولى . وروي عن ابن عبّاسٍ ، وعكرمة وأحمد بن حنبلٍ أنّ ذبيحة الأقلف لا تؤكل ، وقد بيّن الفقهاء ذلك في كتاب الذّبائح والصّيد .
ج - إذا كان الاختتان - إزالة القلفة - فرضاً ، أو سنّةً ، فلو أزالها إنسان بغير إذن صاحبها فلا ضمان عليه .
د - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا كان هناك حرج في غسل ما تحت القلفة فلا يطلب تطهيرها دفعاً للحرج .
أمّا إذا كان تطهيرها ممكناً من غير حرجٍ فالشّافعيّة والحنابلة يوجبون تطهير ما تحت القلفة في الغسل والاستنجاء ، لأنّها واجبة الإزالة ، وما تحتها له حكم الظّاهر .
وذهب الحنفيّة إلى استحباب غسلها في الغسل والاستنجاء ، ويفهم من عبارة مواهب الجليل أنّ المالكيّة لا يرون وجوب غسل ما تحت القلفة .
هـ – ذهب الشّافعيّة والحنابلة ، وهم من يقولون بوجوب تطهير ما تحت القلفة ، إلى أنّه إذا لم يغسل ما تحتها لا تصحّ طهارته ، وبالتّالي لا تصحّ إمامته .
وأمّا الحنفيّة فتصحّ إمامته عندهم مع الكراهة التّنزيهيّة ، والمالكيّة يرون جواز إمامة الأقلف ، ولكنّهم يرون كراهة تعيينه إماماً راتباً ، ومع هذا لو صلّى النّاس خلفه لم يعيدوا صلاتهم .
==============
ألية *
التّعريف :
1 - الألية : هي العجيزة ، أو ما ركب العجز من لحمٍ وشحمٍ .
ولا يختلف المعنى عند الفقهاء عن ذلك ، فقد قالوا : إنّها اللّحم النّاتئ بين الظّهر والفخذ . والفخذ يلي الرّكبة ، وفوقه الورك ، وفوقه الألية .
الحكم الإجماليّ ومواطن البحث :
2 - يتعلّق بالألية عدّة أحكامٍ في مواضع متفرّقةٍ من أبواب الفقه منها :
أ - في نواقض الوضوء : يرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّ المتوضّئ إذا نام ومكّن أليته من الأرض فلا ينتقض وضوءه ، لأمن خروج ما ينتقض به وضوءه .
ولم يعتبر المالكيّة هيئة النّائم ، بل المعتبر عندهم صفة النّوم وحدها ثقلاً أو خفّةً ، والحنابلة ينظرون إلى صفة النّوم وهيئة النّائم معاً ، فمتى كان النّائم ممكّناً مقعدته من الأرض فلا ينقض إلاّ النّوم الكثير .
ب - في الأضحيّة : يختلف الفقهاء في إجزاء الشّاة إن كانت دون أليةٍ ، وتسمّى البتراء أو مقطوعة الذّنب ، ولهم في ذلك أربعة أقوالٍ :
الأوّل : عدم الإجزاء مطلقاً ، وهو قول المالكيّة .
الثّاني : الإجزاء إن كانت مخلوقةً دون أليةٍ ، أمّا مقطوعة الألية فإنّها لا تجزئ ، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة .
الثّالث : التّفريق بين ما إذا قطع الأكثر أو الأقلّ ، فإن قطع الأكثر تجزئ ، وتجزئ إن بقي الأكثر ، لأنّ للأكثر حكم الكلّ بقاءً وذهاباً ، وهو قول الحنفيّة .
الرّابع : الإجزاء مطلقاً . وهو قول الحنابلة . وممّن كان لا يرى بأساً بالبتراء : ابن عمر وسعيد بن المسيّب والحسن وسعيد بن جبيرٍ والحكم .
ج - وفي الجناية على الألية عمداً القصاص عند جمهور الفقهاء ، لأنّ لها حدّاً تنتهي إليه . وقال المزنيّ : لا قصاص فيها ، لأنّها لحم متّصل بلحمٍ ، فأشبه لحم الفخذ .
فإن كانت الجناية خطأً ففي الألية نصف ديةٍ وفي الأليتين الدّية الكاملة عند أغلب الفقهاء . وقال المالكيّة : في الألية حكومة عدلٍ ، سواء أكانت ألية رجلٍ أم ألية امرأةٍ ، هذا باستثناء أشهب ، فإنّه فرّق بين ألية الرّجل وألية المرأة ، فأوجب في الأولى حكومةً ، وفي الثّانية الدّية ، لأنّها أعظم على المرأة من ثديها .
وبالإضافة إلى المواضع السّابقة يتكلّم الفقهاء عنها عند الافتراش في قعدات الصّلاة ، وعند التّورّك . وفي تكفين الميّت يتكلّمون عن شدّ الأليين غرفة بعد وضع قطنٍ بينهما ، ليؤمن من خروج شيءٍ من الميّت .
===============
أمرد *
التّعريف :
1 - الأمرد في اللّغة من المرد ، وهو نقاء الخدّين من الشّعر ، يقال : مرد الغلام مرداً : إذا طرّ شاربه ولم تنبت لحيته .
وفي اصطلاح الفقهاء هو : من لم تنبت لحيته ، ولم يصل إلى أوان إنباتها في غالب النّاس والظّاهر أنّ طرور الشّارب وبلوغه مبلغ الرّجال ليس بقيدٍ ، بل هو بيان لغايته ، وأنّ ابتداءه حين بلوغه سنّاً تشتهيه النّساء .
الألفاظ ذات الصّلة :
الأجرد :
2 - الأجرد في اللّغة هو : من لا شعر على جسده ، والمرأة جرداء . وفي الاصطلاح : الّذي ليس على وجهه شعر ، وقد مضى أوان طلوع لحيته . ويقال له في اللّغة أيضاً : ثطّ وأثطّ . ( ر : أجرد ) أمّا إذا كان على جميع بدنه شعر فهو : أشعر .
المراهق :
3 - إذا قارب الغلام الاحتلام ولم يحتلم فهو مراهق . فيقال : جارية مراهقة ، وغلام مراهق ، ويقال أيضاً : جارية راهقة وغلام راهق .
الأحكام الإجماليّة المتعلّقة بالأمرد :
أوّلاً : النّظر والخلوة :
4 - إن كان الأمرد غير صبيحٍ ولا يفتن ، فقد نصّ الحنفيّة والشّافعيّة على أنّه يأخذ حكم غيره من الرّجال . أمّا إن كان صبيحاً حسناً يفتن ، وضابطه أن يكون جميلاً بحسب طبع النّاظر ولو كان أسود ، لأنّ الحسن يختلف باختلاف الطّباع فله في هذه الصّورة حالتان : الأولى : أن يكون النّظر والخلوة وغير ذلك من الأمور المتعلّقة بالأمر بلا قصد الالتذاذ ، والنّاظر مع ذلك آمن الفتنة ، كنظر الرّجل إلى ولده أو أخيه الأمرد الصّبيح ، فهو في غالب الأحوال لا يكون بتلذّذٍ ، فهذا مباح ولا إثم فيه عند جمهور الفقهاء .
الثّانية : أن يكون ذلك بلذّةٍ وشهوةٍ ، فالنّظر إليه حرام .
وقد ذكر الحنفيّة والشّافعيّة أنّ الأمرد يلحق بالمرأة في النّظر إن كان بشهوةٍ ، ولو مع الشّكّ في وجودها ، وحرمة النّظر إليه بشبهةٍ أعظم إثماً ، قالوا : لأنّ خشية الفتنة به عند بعض النّاس أعظم منها .
أمّا الخلوة بالأمرد فهي كالنّظر ، بل أقرب إلى المفسدة حتّى رأى الشّافعيّة حرمة خلوة الأمرد بالأمرد وإن تعدّد ، أو خلوة الرّجل بالأمرد وإن تعدّد . نعم إن لم تكن هناك ريبة فلا تحرم كشارعٍ ومسجدٍ مطروقٍ .
ثانياً : مصافحة الأمرد :
5 - جمهور الفقهاء على حرمة مسّ ومصافحة الأمرد الصّبيح بقصد التّلذّذ ، وذلك لأنّ المسّ بشهوةٍ عندهم كالنّظر بل أقوى وأبلغ منه .
ويرى الحنفيّة كراهة مسّ الأمرد ومصافحته .
ثالثاً : انتقاض الوضوء بمسّ الأمرد :
6 - يرى المالكيّة ، وهو قول للإمام أحمد إنّه ينتقض الوضوء بلمس الأمرد الصّبيح لشهوةٍ . ويرى الشّافعيّة ، وهو القول الآخر لأحمد عدم انتقاضه .
رابعاً : إمامة الأمرد :
7 - جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) على أنّه تكره الصّلاة خلف الأمرد الصّبيح ، وذلك لأنّه محلّ فتنةٍ . ولم نجد نصّاً للمالكيّة في هذه المسألة .
خامساً : ما يراعى في التّعامل مع الأمرد وتطبيبه :
8 - التّعامل مع الأمرد الصّبيح من غير المحارم ينبغي أن يكون مع شيءٍ من الحذر غالباً ولو في مقام تعليمهم وتأديبهم لما فيه من الآفات .
وعند الحاجة إلى معاملة الأمرد للتّعليم أو نحوه ينبغي الاقتصار على قدر الحاجة ، وبشرط السّلامة وحفظ قلبه وجوارحه عند التّعامل معهم ، وحملهم على الجدّ والتّأدّب ومجانبة الانبساط معهم . والأصل : أنّ كلّ ما كان سبباً للفتنة فإنّه لا يجوز ، حيث يجب سدّ الذّريعة إلى الفساد إذا لم يعارضها مصلحة .
=============
أنعام *
التّعريف :
1 - الأنعام لغةً : جمع مفرده نعم ، وهي ذوات الخفّ والظّلف ، وهي الإبل ، والبقر ، والغنم ، وأكثر ما يقع على الإبل . والنّعم مذكّر ، فيقال هذا نعم وارد .
والأنعام تذكّر وتؤنّث ، ونقل النّوويّ عن الواحديّ : اتّفاق أهل اللّغة على إطلاقه على الإبل ، والبقر ، والغنم . وقيل تطلق الأنعام على هذه الثّلاثة ، فإذا انفردت الإبل فهي نعم ، وإن انفردت البقر والغنم لم تسمّ نعماً .
وعند الفقهاء الأنعام هي الإبل ، والبقر ، والغنم سمّيت نعماً لكثرة نعم اللّه تعالى فيها على خلقه بالنّموّ ، والولادة ، واللّبن ، والصّوف ، والوبر ، والشّعر ، وعموم الانتفاع .
الأحكام المتعلّقة بالأنعام ، ومواطن البحث :
2 - تجب الزّكاة في الأنعام إن بلغت نصاباً باتّفاق الفقهاء .
روى أبو ذرٍّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « ما من صاحب إبلٍ ولا بقرٍ ولا غنمٍ لا يؤدّي زكاتها إلاّ جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمن تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها ، كلّما نفذت أخراها عادت عليه أولاها حتّى يقضى بين النّاس » .
وتفصيل النّصاب في الأنعام بأنواعها الثّلاثة والواجب فيها ينظر في ( الزّكاة ) .
ولا يشرع الهدي والأضحيّة ونحوهما من الذّبائح المسمّاة المطلوبة شرعاً كالعقيقة إلاّ من الأنعام ، لقول اللّه تعالى : { ويذكروا اسم اللّه في أيّامٍ معلوماتٍ على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } . والأفضل في الهدي الإبل ثمّ البقر ثمّ الغنم ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثمّ راح فكأنّما قرّب بدنةً ، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرةً ، ومن راح في السّاعة الثّالثة فكأنّما قرّب كبشاً أقرن ، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجةً ، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضةً »
وللأنعام الّتي تجعل هدياً أو عقيقةً أو أضحيّةً أحكام خاصّة تنظر في مصطلحاتها .
ويحلّ ذبح الأنعام وأكلها في الحلّ والحرم ، وحالة الإحرام بخلاف الصّيد من الحيوان الوحشيّ ، وبخلاف ما حرم منها من الميتة ونحوها ممّا تفصيله في ( أطعمةٍ ) ، لقول اللّه سبحانه : { أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد وأنتم حرم }
والأفضل في تذكية الأنعام : النّحر في الإبل ، والذّبح في البقر والغنم . وبالإضافة إلى ما تقدّم يتكلّم الفقهاء عن وسم إبل الصّدقة عند كلامهم في قسم الصّدقات . وفي خيار الرّدّ بالتّصرية عند من يقول به ، نرى أنّ البعض يجعل الخيار خاصّاً بالنّعم دون غيرها ، والبعض يخيّر في ردّ المصرّاة من نعمٍ وغيره ، وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في خيار العيب .
==============
أهليّة *
التّعريف :
1 - الأهليّة مصدر صناعيّ لكلمة ( أهلٍ ) ومعناها لغةً - كما في أصول البزدويّ - : الصّلاحيّة .
ويتّضح تعريف الأهليّة في الاصطلاح من خلال تعريف نوعيها : أهليّة الوجوب ، وأهليّة الأداء . فأهليّة الوجوب هي : صلاحيّة الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه . وأهليّة الأداء هي : صلاحيّة الإنسان لصدور الفعل منه على وجهٍ يعتدّ به شرعاً .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - التّكليف :
2 - التّكليف معناه في اللّغة : إلزام ما فيه كلفة ومشقّة .
وهو في الاصطلاح كذلك ، حيث قالوا التّكليف إلزام المخاطب بما فيه كلفة ومشقّة من فعلٍ أو تركٍ . فالأهليّة وصف للمكلّف .
ب - الذّمّة :
3 - الذّمّة معناها في اللّغة : العهد والضّمان والأمان .
وأمّا في الاصطلاح فإنّها : وصف يصيّر الشّخص به أهلاً للإلزام والالتزام .
فالفرق بين الأهليّة والذّمّة : أنّ الأهليّة أثر لوجود الذّمّة .
مناط الأهليّة ومحلّها :
4 - الأهليّة بمعناها المتقدّم مناطها أي محلّها الإنسان ، من حيث الأطوار الّتي يمرّ بها ، فإنّه في البداية يكون جنيناً في بطن أمّه ، فتثبت له أحكام الأهليّة الخاصّة بالجنين ، وبعد الولادة إلى سنّ التّمييز يكون طفلاً ، فتثبت له أحكام الأهليّة الخاصّة بالطّفل ، وبعد التّمييز تثبت له أحكام الأهليّة الخاصّة بالمميّز إلى أن يصل به الأمر إلى سنّ البلوغ ، فتثبت له الأهليّة الكاملة ، ما لم يمنع من ذلك مانع ، كطروء عارضٍ يمنع ثبوت تلك الأهليّة الكاملة له ، وسيأتي بيان ذلك عند الكلام على أقسام الأهليّة وعوارضها .
أقسام الأهليّة وأنواعها :
5 - الأهليّة قسمان : أهليّة وجوبٍ ، وأهليّة أداءً . وأهليّة الوجوب قد تكون كاملةً ، وقد تكون ناقصةً . وكذا أهليّة الأداء ، وبيان ذلك فيما يلي :
أوّلاً : أهليّة الوجوب :
6 - سبق أنّ معنى أهليّة الوجوب : صلاحيّة الشّخص لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه معاً ، أو له ، أو عليه .
وأهليّة الوجوب تنقسم فروعها وتتعدّد بحسب انقسام الأحكام ، فالصّبيّ أهل لبعض الأحكام ، وليس بأهلٍ لبعضها أصلاً ، وهو أهل لبعضها بواسطة رأي الوليّ ، فكانت هذه الأهليّة منقسمةً نظراً إلى أفراد الأحكام ، وأصلها واحد ، وهو الصّلاح للحكم ، فمن كان أهلاً لحكم الوجوب بوجهٍ كان هو أهلاً للوجوب ، ومن لا فلا
ومبنى أهليّة الوجوب هذه على الذّمّة ، أي أنّ هذه الأهليّة لا تثبت إلاّ بعد وجود ذمّةٍ صالحةٍ ، لأنّ الذّمّة هي محلّ الوجوب ، ولهذا يضاف إليها ولا يضاف إلى غيرها بحالٍ ، ولهذا اختصّ الإنسان بالوجوب دون سائر الحيوانات الّتي ليست لها ذمّة .
وقد أجمع الفقهاء على ثبوت هذه الذّمّة للإنسان منذ ولادته ، حتّى يكون صالحاً لوجوب الحقوق له وعليه ، فيثبت له ملك النّكاح بتزويج الوليّ إيّاه ، ويجب عليه المهر بعقد الوليّ. أنواع أهليّة الوجوب :
7 - أهليّة الوجوب نوعان :
أ - أهليّة الوجوب النّاقصة ، وتتمثّل في الجنين في بطن أمّه ، باعتباره نفساً مستقلّةً عن أمّه ذا حياةٍ خاصّةٍ ، فإنّه صالح لوجوب الحقوق له من وجهٍ كما سيأتي ، لا عليه ، لأنّ ذمّته لم تكتمل ما دام في بطن أمّه .
ب - أهليّة الوجوب الكاملة ، وهي تثبت للإنسان منذ ولادته ، فإنّه تثبت له أهليّة الوجوب الكاملة ، لكمال ذمّته حينئذٍ من كلّ وجهٍ ، فيكون بهذا صالحاً لوجوب الحقوق له وعليه .
ثانياً : أهليّة الأداء :
8 - سبق أنّ أهليّة الأداء هي : صلاحيّة الإنسان لصدور الفعل منه على وجهٍ يعتد به شرعاً . وأهليّة الأداء هذه لا توجد عند الشّخص إلاّ إذا بلغ سنّ التّمييز ، لقدرته حينئذٍ على فهم الخطاب ولو على سبيل الإجمال ، ولقدرته على القيام ببعض الأعباء ، فتثبت له أهليّة الأداء القاصرة ، وهي الّتي تناسبه ما دام نموّه لم يكتمل جسماً وعقلاً ، فإذا اكتمل ببلوغه ورشده ثبتت له أهليّة الأداء الكاملة ، فيكون حينئذٍ أهلاً للتّحمّل والأداء ، بخلاف غير المميّز ، فإنّه لا تثبت له هذه الأهليّة لانتفاء القدرتين عنه .
أنواع أهليّة الأداء :
9 - أهليّة الأداء نوعان :
أ - أهليّة أداءً قاصرة ، وهي الّتي تثبت بقدرةٍ قاصرةٍ .
ب - أهليّة أداءً كاملة ، وهي الّتي تثبت بقدرةٍ كاملةٍ .
والمراد بالقدرة هنا : قدرة الجسم أو العقل ، أو هما معاً ، لأنّ الأداء - كما قال البزدويّ - يتعلّق بقدرتين : قدرة فهم الخطاب وذلك بالعقل ، وقدرة العمل به وهي بالبدن ، والإنسان في أوّل أحواله عديم القدرتين ، لكن فيه استعداد وصلاحيّة لأن توجد فيه كلّ واحدةٍ من القدرتين شيئاً فشيئاً بخلق اللّه تعالى ، إلى أن تبلغ كلّ واحدةٍ منهما درجة الكمال ، فقبل بلوغ درجة الكمال كانت كلّ واحدةٍ منهما قاصرةً ، كما هو الحال في الصّبيّ المميّز قبل البلوغ ، وقد تكون إحداهما قاصرةً ، كما في المعتوه بعد البلوغ ، فإنّه قاصر العقل مثل الصّبيّ ، وإن كان قويّ البدن ، ولهذا ألحق بالصّبيّ في الأحكام .
فالأهليّة الكاملة : عبارة عن بلوغ القدرتين أوّل درجات الكمال ، وهو المراد بالاعتدال في لسان الشّرع . والقاصرة : عبارة عن القدرتين قبل بلوغهما أو بلوغ إحداهما درجة الكمال . ثمّ الشّرع بنى على الأهليّة القاصرة صحّة الأداء ، وعلى الكاملة وجوب الأداء وتوجّه الخطاب ، لأنّه لا يجوز إلزام الإنسان الأداء في أوّل أحواله ، إذ لا قدرة له أصلاً ، وإلزام ما لا قدرة له عليه منتفٍ شرعاً وعقلاً ، وبعد وجود أصل العقل وأصل قدرة البدن قبل الكمال ، ففي إلزام الأداء حرج ، لأنّه يحرج الفهم بأدنى عقله ، ويثقل عليه الأداء بأدنى قدرة البدن ، والحرج منتفٍ أيضاً بقوله تعالى : { وما جَعَلَ عليكم في الدِّينِ من حَرَجٍ } فلم يخاطب شرعاً لأوّل أمره حكمةً ، ولأوّل ما يعقل ويقدر رحمةً ، إلى أن يعتدل عقله وقدرة بدنه ، فيتيسّر عليه الفهم والعمل به .
ثمّ وقت الاعتدال يتفاوت في جنس البشر على وجهٍ يتعذّر الوقوف عليه ، ولا يمكن إدراكه إلاّ بعد تجربةٍ وتكلّفٍ عظيمٍ ، فأقام الشّرع البلوغ الّذي تعتدل لديه العقول في الأغلب مقام اعتدال العقل حقيقةً ، تيسيراً على العباد ، وصار توهّم وصف الكمال قبل هذا الحدّ ، وتوهّم بقاء القصور بعد هذا الحدّ ساقطي الاعتبار ، لأنّ السّبب الظّاهر متى أقيم مقام المعنى الباطن دار الحكم معه وجوداً وعدماً ، وأيّد هذا كلّه قوله عليه السلام : « رفع القلم عن ثلاثٍ : عن الصّبيّ حتّى يحتلم والمجنون حتّى يفيق ، والنّائم حتّى يستيقظ » .
والمراد بالقلم : الحساب ، والحساب إنّما يكون بعد لزوم الأداء ، فدلّ على أنّ ذلك لا يثبت إلاّ بالأهليّة الكاملة ، وهي اعتدال الحال بالبلوغ عن عقلٍ .
أثر الأهليّة في التّصرّفات :
10 - التّصرّفات الّتي تحكمها الأهليّة - سواء أكانت من حقوق اللّه أم من حقوق الآدميّين - تختلف وتتعدّد أحكامها تبعاً لاختلاف نوع الأهليّة ، وتبعاً لاختلاف مراحل النّموّ الّتي يمرّ بها الإنسان الّذي هو مناط تلك الأهليّة ، فالأهليّة - كما سبق - إمّا أهليّة وجوبٍ وإمّا أهليّة أداءً ، وكلّ واحدةٍ منهما قد تكون ناقصةً وقد تكون كاملةً ، ولكلٍّ حكمه .
هذا ، وللوقوف على تلك الأحكام ، لا بدّ أن نتناول تلك المراحل الّتي يمرّ بها الإنسان ، وبيان الأحكام الخاصّة به في كلّ مرحلةٍ من تلك المراحل .
المراحل الّتي يمرّ بها الإنسان :
11 - يمرّ الإنسان من حين نشأته بخمس مراحل أساسيّةٍ ، وهذه المراحل هي :
- 1 - مرحلة ما قبل الولادة ، أي حين يكون جنيناً في بطن أمّه .
- 2 - مرحلة الطّفولة والصّغر ، أي بعد انفصاله عن أمّه ، وقبل بلوغه سنّ التّمييز .
- 3 - مرحلة التّمييز ، أي من حين بلوغه سنّ التّمييز إلى البلوغ .
- 4 - مرحلة البلوغ ، أي بعد انتقاله من سنّ الصّغر إلى سنّ الكبر .
- 5 - مرحلة الرّشد ، أي اكتمال العقل . هذا ، ولكلّ مرحلةٍ من هذه المراحل أحكام خاصّة نذكرها فيما يلي :
المرحلة الأولى - الجنين :
12 - الجنين في اللّغة : مأخوذ من الاجتنان ، وهو الخفاء ، وهو وصف للولد ما دام في بطن أمّه ، والفقهاء في تعريفهم للجنين لا يخرجون عن هذا المعنى ، إذ معناه عندهم : وصف للولد ما دام في البطن .
والجنين إذا نظر إليه من جهة كونه كالجزء من أمّه يتغذّى بغذائها يحكم بعدم استقلاله ، فلا تثبت له ذمّة ، وبالتّالي فلا يجب له ولا عليه شيء .
وإذا نظر إليه من جهة كونه نفساً مستقلّةً بحياةٍ خاصّةٍ يحكم بثبوت الذّمّة له ، وبذلك يكون أهلاً لوجوب الحقوق له وعليه . ولمّا لم يمكن ترجيح إحدى الجهتين على الأخرى من كلّ وجهٍ ، فإنّ الشّرع عامله من جهة كونه جزءاً من أمّه بعدم أهليّته للوجوب عليه ، وعامله من جهة كونه نفساً مستقلّةً بحياةٍ خاصّةٍ بكونه أهلاً للوجوب له ، وبهذا لا يكون للجنين أهليّة وجوبٍ كاملةً ، بل أهليّة وجوبٍ ناقصةً .
13 - وقد اتّفق الفقهاء على إثبات بعض الحقوق للجنين ، كحقّه في النّسب ، وحقّه في الإرث ، وحقّه في الوصيّة ، وحقّه في الوقف .
فأمّا حقّه في النّسب من أبيه : فإنّه لو تزوّج رجل وأتت امرأته بولدٍ ثبت نسبه منه ، إذا توافرت شروط ثبوت النّسب المبيّنة في موضعها . ر : ( نسب ) .
وأمّا حقّه في الإرث : فهو ثابت بإجماع الصّحابة كما جاء في الفتاوى الهنديّة وقد اتّفق الفقهاء على استحقاق الحمل للإرث متى قام به سبب استحقاقه وتوافرت فيه شروطه . وكذلك اتّفق الفقهاء على صحّة الوصيّة له . وأمّا حقّه في الوقف : فقد أجاز الحنفيّة والمالكيّة الوقف عليه ، قياساً على الوصيّة ، ويستحقّه إن استهلّ .
ولم يجوّز الشّافعيّة الوقف عليه ، لأنّ الوقف تسليط في الحال بخلاف الوصيّة .
وأمّا الحنابلة فلا يصحّ عندهم الوقف على حملٍ أصالةً ، كأن يقف داره على ما في بطن هذه المرأة ، لأنّه تمليك ، والحمل لا يصحّ تمليكه بغير الإرث والوصيّة ، أمّا إذا وقف على الحمل تبعاً لمن يصحّ الوقف عليه ، كأن يقف على أولاده ، أو على أولاد فلانٍ وفيهم حمل ، فإنّ الوقف يشمله عندهم .
المرحلة الثّانية - الطّفولة :
14 - تبدأ هذه المرحلة من حين انفصال الجنين عن أمّه حيّاً ، وتمتدّ إلى سنّ التّمييز ، ففي هذه المرحلة تثبت للمولود الذّمّة الكاملة ، فيصير أهلاً للوجوب له وعليه ، أمّا أهليّته للوجوب له فهي ثابتة حتّى قبل الولادة - كما سبق - فتثبت له بعدها بطريق الأولى ، بل صرّح الشّافعيّة : بأنّ له يداً واختصاصاً كالبالغ .
وأمّا أهليّته للوجوب عليه ففيها تفصيل يأتي . ووجوب الحقوق الثّابتة على الطّفل في هذه المرحلة ، المراد منه : حكمه ، وهو الأداء عنه ، فكلّ ما يمكن أداؤه عنه يجب عليه ، وما لا فلا . وإنّما قيّد الأداء بالممكن ، لأنّ الطّفل في هذه المرحلة ، وإن كان يجب عليه كافّة الحقوق كالبالغ ، إلاّ أنّه يعامل بما يناسبه في هذه المرحلة ، لضعف بنيته ، ولعدم قدرته على مباشرة الأداء بنفسه ، فيؤدّي عنه وليّه ما أمكن أداؤه عنه ، ولهذا فإنّ العلماء ذكروا تفصيلاً في الحقوق الواجبة عليه ، الّتي تؤدّى عنه ، سواء أكانت من حقوق اللّه أم حقوق العباد ، كما ذكروا أيضاً حكم أقواله وأفعاله . وبيان ذلك فيما يلي :
أوّلاً : حقوق العباد :
15 - حقوق العباد أنواع : منها ما يجب أداؤه عن الطّفل لوجوبه عليه ، ومنها ما لا يجب عليه ولا يؤدّى عنه . فحقوق العباد الواجبة والّتي تؤدّى عنه هي :
أ - ما كان المقصود منه المال ويحتمل النّيابة ، فإنّه يؤدّي عنه ، لوجوبه عليه كالغرم والعوض .
ب - ما كان صلةً شبيهةً بالمؤن كنفقة القريب ، أو كان صلةً شبيهةً بالأعواض كنفقة الزّوجة ، فإنّه يؤدّى عنه
وأمّا حقوق العباد الّتي لا تجب عليه لا تجب عليه ولا تؤدّى عنه فهي :
أ - الصّلة الشّبيهة بالأجزية كتحمّل الدّية مع العاقلة ، فلا تجب عليه .
ب - العقوبات كالقصاص ، أو الأجزية الشّبيهة بها كالحرمان من الميراث ، فلا تجب عليه .
ثانياً : حقوق اللّه تعالى :
16 - هذه الحقوق أيضاً منها ما يجب على الطّفل ، ومنها ما لا يجب .
فالحقوق الّتي هي مئونة محضة كالعشر والخراج تجب عليه ، وتؤدّى عنه ، لأنّ المقصود منها المال ، فتثبت في ذمّته ، ويمكن أداؤه عنه .
وأمّا العبادات فلا تجب عليه ، سواء أكانت بدنيّةً أم ماليّةً .
أمّا البدنيّة كالصّلاة والصّوم والحجّ والجهاد وغيرها ، فإنّها لا تجب عليه لعجزه عن الفهم وضعف بدنه .
وأمّا الماليّة ، فإن كانت زكاة فطرٍ ، فإنّها تجب في ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ولا تجب عليه عند محمّدٍ وزفر من الحنفيّة .
وإن كانت زكاة مالٍ ، فإنّها تجب في ماله عند جمهور الفقهاء ، لأنّها ليست عبادةً خالصةً بل فيها معنى المئونة ، أوجبها اللّه تعالى على الأغنياء حقّاً للمحتاجين ، فتصحّ فيها النّيابة كما في زكاة الفطر ، ولا تجب عليه عند فقهاء الحنفيّة ، لأنّها عندهم عبادة خالصة ، وتحتاج إلى النّيّة ، ولا تصحّ فيها النّيابة .
وأمّا إن كانت حقوق اللّه عقوباتٍ كالحدود ، فإنّها لا تلزمه ولا تجب عليه ، كما لم تلزمه العقوبات الّتي هي حقوق العباد كالقصاص ، لأنّ العقوبة إنّما وضعت جزاءً للتّقصير ، وهو لا يوصف به .
ثالثاً : أقواله وأفعاله :
17 - أقوال الصّبيّ وأفعاله غير معتبرةٍ ، ولا يترتّب عليها حكم ، لأنّه ما دام لم يميّز فلا اعتداد بأقواله وأفعاله .
المرحلة الثّالثة : التّمييز :
18 - التّمييز في اللّغة مأخوذ من : مزته ميزاً ، من باب باع ، وهو : عزل الشّيء وفصله من غيره . ويكون في المشتبهات والمختلطات ، ومعنى تميّز الشّيء : انفصاله عن غيره ، ومن هنا فإنّ الفقهاء يقولون : سنّ التّمييز ، ومرادهم بذلك : تلك السّنّ الّتي إذا انتهى إليها عرف مضارّه ومنافعه ، وكأنّه مأخوذ من ميّزت الأشياء : إذا فرّقتها بعد المعرفة بها ، وبعض النّاس يقولون : التّمييز قوّة في الدّماغ يستنبط بها المعاني .
وهذه المرحلة تبدأ ببلوغ الصّبيّ سبع سنين ، وهو سنّ التّمييز كما حدّده جمهور الفقهاء ، وتنتهي بالبلوغ ، فتشمل المراهق وهو الّذي قارب البلوغ .
ففي هذه المرحلة يصبح عند الصّبيّ مقدار من الإدراك والوعي يسمح له بمباشرة بعض التّصرّفات ، فتثبت له أهليّة الأداء القاصرة ، لأنّ نموّه البدنيّ والعقليّ لم يكتملا بعد ، وبعد اكتمالهما تثبت له أهليّة الأداء الكاملة ، لأنّ أهليّة الأداء الكاملة لا تثبت إلاّ باكتمال النّموّ البدنيّ والنّموّ العقليّ ، فمن لم يكتمل نموّه البدنيّ والعقليّ معاً ، أو لم يكتمل فيه نموّ أحدهما فأهليّة الأداء فيه تكون قاصرةً .
فالمعتوه كالصّبيّ ، لعدم اكتمال العقل فيه ، وإن كان كاملاً من النّاحية البدنيّة ، بخلاف أهليّة الوجوب ، فإنّها تثبت كاملةً منذ الولادة ، فالطّفل أهل للوجوب له وعليه ، كما سبق . وللتّمييز أثره في التّصرّفات ، فالصّبيّ المميّز يجوز له بأهليّته القاصرة مباشرة بعض التّصرّفات وتصحّ منه ، لأنّ الثّابت مع الأهليّة القاصرة صحّة الأداء ، ويمنع من مباشرة بعض التّصرّفات الأخرى ، وخاصّةً تلك الّتي يعود ضررها عليه ، فلا تصحّ منه .
ومن التّصرّفات أيضاً ما يمتنع على الصّبيّ المميّز أن يباشرها بنفسه ، بل لا بدّ فيها من إذن الوليّ .
وفيما يلي ما قاله الفقهاء في ذلك على سبيل الإجمال ، أمّا التّفصيل ففي مصطلح ( تمييزٍ ) .
تصرّفات الصّبيّ المميّز :
19 - التّصرّفات الّتي يباشرها الصّبيّ المميّز ، إمّا أن تكون في حقوق اللّه تعالى ، وفي هذه الحالة إمّا : أن تكون تلك الحقوق عباداتٍ وعقائد ، أو حقوقاً ماليّةً ، أو عقوباتٍ ، وإمّا : أن تكون تلك التّصرّفات في حقوق العباد ، وهي إمّا : ماليّة أو غير ماليّةٍ .
أ - حقوق اللّه تعالى :
20 - أمّا العبادات البدنيّة كالصّلاة ، فلا خلاف بين العلماء في عدم وجوبها عليه إلاّ أنّه يؤمر بأدائها في سنّ السّابعة ، ويضرب على تركها في سنّ العاشرة ، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه : « مروا صبيانكم بالصّلاة لسبع سنين ، واضربوهم عليها لعشر سنين ، وفرّقوا بينهم في المضاجع »
وأمّا العقائد كالإيمان ، فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه يصحّ من الصّبيّ ، فيعتبر إيمانه ، لأنّه خير محض ، وخالف في ذلك الشّافعيّة فقالوا : إنّ إسلامه لا يصحّ حتّى يبلغ ، لحديث : « رفع القلم عن ثلاثٍ ومنها عن الصّبيّ حتّى يبلغ ... »
وأمّا ردّته ، فقد ذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى عدم صحّة ردّته ، لأنّها ضرر محض .
وذهب أبو حنيفة ومحمّد والمالكيّة إلى الحكم بصحّة ردّته ، وتجري عليه أحكام المرتدّين ما عدا القتل . ونقل في التّتارخانيّة والمنتقى رجوع أبي حنيفة إلى قول أبي يوسف .
وأمّا حقوق اللّه سبحانه وتعالى الماليّة كالزّكاة ، فإنّها تجب في ماله عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ولا تجب في ماله عند الحنفيّة . وأمّا العقوبات المتعلّقة بحقوق اللّه سبحانه وتعالى كحدّ السّرقة وغيره ، فإنّها لا تقام على الصّبيّ ، وهذا محلّ اتّفاقٍ عند الفقهاء .
ب - حقوق العباد :
21 - أمّا الماليّة منها كضمان المتلفات وأجرة الأجير ونفقة الزّوجة والأقارب ونحو ذلك فإنّها تجب في ماله ، لأنّ المقصود منها هو المال ، وأداؤه يحتمل النّيابة ، فيصحّ للصّبيّ المميّز أداؤه ، فإن لم يؤدّه أدّاه وليّه .
وأمّا ما كان منها عقوبة القصاص ، فإنّه لا يجب عليه عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، لأنّ فعل الصّبيّ لا يوصف بالتّقصير ، فلا يصلح سبباً للعقوبة لقصور معنى الجناية في فعله ، ولكن تجب في فعله الدّية ، لأنّها وجبت لعصمة المحلّ ، والصّبا لا ينفي عصمة المحلّ ، ولأنّ المقصود من وجوبها المال ، وأداؤه قابل للنّيابة ، ووجوب الدّية في ماله عند الحنفيّة ، وعلى عاقلته عند المالكيّة والحنابلة .
وخالف الشّافعيّة في ذلك على الأصحّ عندهم ، حيث قالوا : إنّ عمد الصّبيّ في الجنايات عمد ، فتغلظ عليه الدّية ، ويحرم إرث من قتله .
22 - أمّا تصرّفاته الماليّة ، ففيها تفصيل على النّحو الآتي :
- 1 - تصرّفات نافعة له نفعاً محضاً ، وهي الّتي يترتّب عليها دخول شيءٍ في ملكه من غير مقابلٍ ، مثل قبول الهبة والصّدقة والوصيّة والوقف ، وهذه تصحّ منه ، دون توقّفٍ على إجازة الوليّ أو الوصيّ ، لأنّها خير على كلّ حالٍ .
- 2 - تصرّفات ضارّة بالصّغير ضرراً محضاً ، وهي الّتي يترتّب عليها خروج شيءٍ من ملكه من غير مقابلٍ ، كالهبة والصّدقة والوقف وسائر التّبرّعات والطّلاق والكفالة بالدّين ، وهذه لا تصحّ منه ، بل تقع باطلةً ، ولا تنعقد ، حتّى ولو أجازها الوليّ أو الوصيّ ، لأنّهما لا يملكان مباشرتها في حقّ الصّغير فلا يملكان إجازتها .
- 3 - تصرّفات دائرة بين النّفع والضّرر بحسب أصل وضعها ، كالبيع والإجارة وسائر المعاوضات الماليّة ، وهذه يختلف الفقهاء فيها :
فعند الحنفيّة يصحّ صدورها منه ، باعتبار ما له من أصل الأهليّة ، ولاحتمال أنّ فيها نفعاً له ، إلاّ أنّها تكون موقوفةً على إجازة الوليّ أو الوصيّ لنقص أهليّته ، فإذا أجازها نفذت ، وإن لم يجزها بطلت .