4 - ما ذهب من لسانها مقدارٌ كثيرٌ . وقال الشّافعيّة : يضرّ قطع بعض اللّسان ولو قليلاً .
5 - الجدعاء وهي مقطوعة الأنف .
6 - مقطوعة الأذنين أو إحداهما ، وكذا السّكّاء وهي : فاقدة الأذنين أو إحداهما خلقةً وخالف الحنابلة في السّكّاء .
7 - ما ذهب من إحدى أذنيها مقدارٌ كثيرٌ ، واختلف العلماء في تفسير الكثير ، فذهب الحنفيّة إلى أنّه ما زاد عن الثّلث في روايةٍ ، والثّلث فأكثر في روايةٍ أخرى ، والنّصف أو أكثر ، وهو قول أبي يوسف ، والرّبع أو أكثر في روايةٍ رابعةٍ . وقال المالكيّة : لا يضرّ ذهاب ثلث الأذن أو أقلّ . وقال الشّافعيّة : يضرّ ذهاب بعض الأذن مطلقاً . وقال الحنابلة : يضرّ ذهاب أكثر الأذن . والأصل في ذلك كلّه حديث : « إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحّي بعضباء الأذن » .
8 - العرجاء البيّن عرجها ، وهي الّتي لا تقدر أن تمشي برجلها إلى المنسك - أي المذبح - وفسّرها المالكيّة والشّافعيّة بالّتي لا تسير بسير صواحبها .
9 - الجذماء وهي : مقطوعة اليد أو الرّجل ، وكذا فاقدة إحداهما خلقةً .
10 - الجذّاء وهي : الّتي قطعت رءوس ضروعها أو يبست . وقال الشّافعيّة : يضرّ قطع بعض الضّرع ، ولو قليلاً . وقال المالكيّة : إنّ الّتي لا تجزئ هي يابسة الضّرع جميعه ، فإن أرضعت ببعضه أجزأت .
11 - مقطوعة الألية ، وكذا فاقدتها خلقةً ، وخالف الشّافعيّة فقالوا بإجزاء فاقدة الألية خلقةً ، بخلاف مقطوعتها .
12 - ما ذهب من أليتها مقدارٌ كثيرٌ . وقال الشّافعيّة : يضرّ ذهاب بعض الألية ولو قليلاً .
13 - مقطوعة الذّنب ، وكذا فاقدته خلقةً ، وهي المسمّاة بالبتراء ، وخالف الحنابلة فيهما فقالوا : إنّهما يجزئان . وخالف الشّافعيّة في الثّانية دون الأولى .
14 - ما ذهب من ذنبها مقدارٌ كثيرٌ . وقال المالكيّة : لا تجزئ ذاهبة ثلثه فصاعداً . وقال الشّافعيّة : يضرّ قطع بعضه ولو قليلاً . وقال الحنابلة : لا يضرّ قطع الذّنب كلاًّ أو بعضاً .
15 - المريضة البيّن مرضها ، أي الّتي يظهر مرضها لمن يراها .
16 -العجفاء الّتي لا تنقي ، وهي المهزولة الّتي ذهب نقيها ، وهو المخّ الّذي في داخل العظام ، فإنّها لا تجزئ ، لأنّ تمام الخلقة أمرٌ ظاهرٌ ، فإذا تبيّن خلافه كان تقصيراً .
17 - مصرّمة الأطبّاء ، وهي الّتي عولجت حتّى انقطع لبنها .
18 - الجلاّلة ، وهي الّتي تأكل العذرة ولا تأكل غيرها ، ممّا لم تستبرأ بأن تحبس أربعين يوماً إن كانت من الإبل ، أو عشرين يوماً إن كانت من البقر ، أو عشرةً إن كانت من الغنم .
27 - هذه الأمثلة ذكرت في كتب الحنفيّة . وهناك أمثلةٌ أخرى للأنعام الّتي لا تجزئ التّضحية بها ذكرت في كتب المذاهب الأخرى .
منها ما ذكره المالكيّة حيث قالوا : لا تجزئ ( البكماء ) وهي فاقدة الصّوت ولا ( البخراء ) وهي منتنة رائحة الفم ، ولم يقيّدوا ذلك بكونها جلاّلةً ولا بيّنة البشم ، وهو التّخمة . ولا ( الصّمّاء ) وهي الّتي لا تسمع .
ومنها ما ذكره الشّافعيّة من أنّ ( الهيماء ) لا تجزئ ، وهي المصابة بالهيام وهو عطشٌ شديدٌ لا ترتوي معه بالماء ، فتهيم في الأرض ولا ترعى . وكذا ( الحامل ) على الأصحّ ، لأنّ الحمل يفسد الجوف ويصير اللّحم رديئاً .
ومنها ما ذكره الحنابلة من عدم إجزاء ( العصماء ) وهي الّتي انكسر غلاف قرنها ( والخصيّ المجبوب ) ، وهو ما ذهب أنثياه وذكره معاً ، بخلاف ذاهب أحدهما . والأصل الّذي دلّ على اشتراط السّلامة من هذه العيوب كلّها ما صحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « لا تجزئ من الضّحايا أربعٌ : العوراء البيّن عورها ، والعرجاء البيّن عرجها ، والمريضة البيّن مرضها ، والعجفاء الّتي لا تنقي » . وما صحّ عنه عليه الصلاة والسلام أنّه قال : « استشرفوا العين والأذن » أي تأمّلوا سلامتها عن الآفات ، وما صحّ عنه عليه الصلاة والسلام « أنّه نهى أن يضحّى بعضباء الأذن » . وألحق الفقهاء بما في هذه الأحاديث كلّ ما فيه عيبٌ فاحشٌ .
28 - أمّا الأنعام الّتي تجزئ التّضحية بها لأنّ عيبها ليس بفاحشٍ فهي كالآتي :
1 - الجمّاء : وتسمّى الجلحاء ، وهي الّتي لا قرن لها خلقةً ، ومثلها مكسورة القرن إن لم يظهر عظم دماغها ، لما صحّ عن عليٍّ رضي الله عنه أنّه قال لمن سأله عن مكسورة القرن : لا بأس ، أمرنا أن نستشرف العينين والأذنين . وقد اتّفقت المذاهب على إجزاء الجمّاء ، واختلفت في مكسورة القرن ، فقال المالكيّة : تجزئ ما لم يكن موضع الكسر دامياً ، وفسّروا الدّامي بما لم يحصل الشّفاء منه ، وإن لم يظهر فيه دمٌ . وقال الشّافعيّة : تجزئ وإن أدمى موضع الكسر ، ما لم يؤثّر ألم الانكسار في اللّحم ، فيكون مرضاً مانعاً من الإجزاء . وقال الحنابلة : لا تجزئ إن كان الذّاهب من القرن أكثر من النّصف ، وتسمّى عضباء القرن .
2 - الحولاء ، وهي الّتي في عينها حولٌ لم يمنع البصر .
3 - الصّمعاء ، وهي الصّغيرة إحدى الأذنين أو كليهما . وخالف المالكيّة فقالوا : لا يجزئ الصّمعاء ، وفسّروها بالصّغيرة الأذنين جدّاً ، كأنّها خلقت بدونهما .
4 - الشّرقاء وهي مشقوقة الأذن ، وإن زاد الشّقّ على الثّلث . وقال المالكيّة : لا تجزئ إلاّ إن كان الشّقّ ثلثاً فأقلّ .
5 - الخرقاء وهي مثقوبة الأذن ، ويشترط في إجزائها ألاّ يذهب بسبب الخرق مقدارٌ كثيرٌ .
6 - المدابرة وهي الّتي قطع من مؤخّر أذنها شيءٌ ولم يفصّل ، بل ترك معلّقاً ، فإن فصّل فهي مقطوعة بعض الأذن وقد سبق بيان حكمها .
7 -الهتماء وهي الّتي لا أسنان لها ، لكن يشترط في إجزائها ألاّ يمنعها الهتم عن الرّعي والاعتلاف ، فإن منعها عنهما لم تجزئ . وهو مذهب الحنفيّة . وقال المالكيّة : لا تجزئ مكسور سنّين فأكثر أو مقلوعتهما ، إلاّ إذا كان ذلك لإثغارٍ أو كبرٍ ، أمّا لهذين الأمرين فتجزئ . وقال الشّافعيّة : تجزئ ذاهبة بعض الأسنان إن لم يؤثّر نقصاً في الاعتلاف ، ولا ذاهبة جميعها ولا مكسورة جميعها ، وتجزئ المخلوقة بلا أسنانٍ . وقال الحنابلة : لا تجزئ ما ذهب ثناياها من أصلها ، بخلاف ما لو بقي من الثّنايا بقيّةٌ .
8 - الثّولاء وهي المجنونة ، ويشترط في إجزائها ألاّ يمنعها الثّول عن الاعتلاف ، فإن منعها منه لم تجزئ ، لأنّ ذلك يفضي إلى هلاكها . وقال المالكيّة والشّافعيّة : لا تجزئ الثّولاء ، وفسّرها المالكيّة بأنّها الدّائمة الجنون الّتي فقدت التّمييز بحيث لا تهتدي لما ينفعها ولا تجانب ما يضرّها ، وقالوا : إن كان جنونها غير دائمٍ لم يضرّ . وفسّرها الشّافعيّة بأنّها الّتي تستدير في المرعى ، ولا ترى إلاّ قليلاً ، فتهزل .
9 - الجرباء السّمينة ، بخلاف المهزولة . وقال الشّافعيّة : لا تجزئ الجرباء مطلقاً .
10 - المكويّة وهي الّتي كويت أذنها أو غيرها من الأعضاء .
11 - الموسومة وهي : الّتي في أذنها سمةٌ .
12 - العاجزة عن الولادة لكبر سنّها .
13 - الخصيّ وإنّما أجزأ ، لأنّ ما ذهب بخصائه يعوّض بما يؤدّي إليه من كثرة لحمه وشحمه ، وقد صحّ « وأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين أملحين موجوءين » أي مرضوضي الخصيتين ، ويلحق بالمرض الخصاء ، لأنّ أثرهما واحدٌ . وقد اتّفقت على إجزائه المذاهب الأربعة . وحكى صاحب " المغني " الإجزاء عن الحسن وعطاءٍ والشّعبيّ والنّخعيّ ومالكٍ والشّافعيّ وأبي ثورٍ وأصحاب الرّأي . وكالخصيّ الموجوء وهو المرضوض الخصية . وهذا متّفقٌ عليه بين المذاهب .
14 - المجبوب وهو ما قطع ذكره وسبق قول الحنابلة أنّ المجبوب الخصيّ - وهو : ما ذهب أنثياه وذكره معاً - لا يجزئ ، بخلاف ذاهب أحدهما فقط ( ف / 26 ) .
15 - المجزوزة وهي الّتي جزّ صوفها .
16 - السّاعلة وهي الّتي تسعل - بضمّ العين - ويجب تقييد ذلك بما لم يصحبه مرضٌ بيّنٌ .
29 - هذه الأمثلة ذكرها الحنفيّة وجاء في كتب غيرهم أمثلةٌ أخرى لما يجزئ .
ومنها : ما صرّح به المالكيّة من أنّ المقعدة - وهي العاجزة عن القيام لكثرة الشّحم عليها - تجزئ .
منها : ما ذكره الشّافعيّة من أنّ العشواء تجزئ ، وهي الّتي تبصر بالنّهار دون اللّيل ، وكذا العمشاء وضعيفة البصر . وكذا الّتي قطع منها قطعةٌ صغيرةٌ من عضوٍ كبيرٍ ، كالّتي أخذ الذّئب مقداراً قليلاً من فخذها ، بخلاف المقدار البيّن الّذي يعدّ كثيراً بالنّسبة لجميع الفخذ . طروء العيب المخلّ بعد تعيين الأضحيّة :
30 - لو اشترى رجلٌ شاةً بنيّة الأضحيّة فعجفت عنده عجفاً بيّناً لم تجزئه ، إن كان عند الشّراء موسراً مقيماً ، وكان شراؤه إيّاها في وقت الوجوب ، لما سبق من أنّ شراءه للأضحيّة لا يوجبها ، لأنّه تجب عليه أضحيّةٌ في ذمّته بأصل الشّرع ، وإنّما أقام ما اشتراه مقام ما في الذّمّة ، فإذا نقص لم يصلح لهذه الإقامة فيبقى ما في ذمّته بحاله . فإن كان عند الشّراء فقيراً ، أو غنيّاً مسافراً ، أو غنيّاً مقيماً ، واشتراها قبل وقت النّحر ، أجزأته في هذه الصّور كلّها ، لأنّه لم تكن في ذمّته أضحيّةٌ واجبةٌ وقت الشّراء ، فكان الشّراء بنيّة التّضحية إيجاباً لها بمنزلة نذر الأضحيّة المعيّنة ، فكان نقصانها كهلاكها يسقط به إيجابها . ويعلم من هذا أنّ الفقير أو الغنيّ لو أوجب على نفسه بالنّذر أضحيّةً غير معيّنةٍ ، ثمّ اشترى شاةً بنيّة التّضحية ، فتعيّبت ، لم تجزئ ، لأنّ الشّراء في هذه الحالة ليس إيجاباً ، وإنّما هو إقامةٌ لما يشتريه مقام الواجب . ومن شرط الإقامة السّلامة ، فإذا لم تجزئ إقامتها مقام الواجب بقي الواجب في ذمّته كما كان . وكالشّاة الّتي عجفت بعد الشّراء ، كلّ النّعم الّتي يحدث لها بعد الشّراء عيبٌ مخلٌّ ، أو تموت ، أو تسرق ، ففيها التّفصيل السّابق .
31 - ولو قدّم المضحّي أضحيّةً ليذبحها ، فاضطربت في المكان الّذي يذبحها فيه ، فانكسرت رجلها ، أو انقلبت فأصابتها الشّفرة في عينها فاعورّت أجزأته ، لأنّ هذا ممّا لا يمكن الاحتراز عنه ، لأنّ الشّاة تضطرب عادةً ، فتلحقها العيوب من اضطرابها . هذا مذهب الحنفيّة . وذهب المالكيّة إلى أنّ الأضحيّة المعيّنة بالنّذر أو بغيره إذا حدث بها عيبٌ مخلٌّ لم تجزئ ، وله التّصرّف فيها بالبيع وغيره ، وعليه التّضحية بأخرى إن كانت منذورةً ، ويسنّ له التّضحية بأخرى إن لم تكن منذورةً . هذا إن تعيّبت قبل الإضجاع للذّبح ، أمّا لو تعيّبت بعد الإضجاع له فيجزئ ذبحها .
وقال الشّافعيّة : من أوجب أضحيّةً معيّنةً بالنّذر أو الجعل ، ثمّ طرأ عليها - عيبٌ يمنع إجزاءها قبل دخول الوقت الّذي تجزئ فيه التّضحية ، أو بعد دخوله وقبل تمكّنه من الذّبح ، ولم يقع منه تفريطٌ ولا اعتداءٌ - لم يلزمه بدلها ، لزوال ملكه عنها من حين الإيجاب ، ويلزمه أن يذبحها في الوقت ويتصدّق بها كالأضحيّة ، وإن لم تكن أضحيّةً . وإذا طرأ العيب باعتدائه أو تفريطه أو تأخّره عن الذّبح في أوّل الوقت بلا عذرٍ لزمه ذبحها في الوقت والتّصدّق بها ، ولزمه أيضاً أن يضحّي بأخرى لتبرأ ذمّته . ولو اشترى شاةً وأوجبها بالنّذر أو الجعل ، ثمّ وجد بها عيباً قديماً ، فليس له أن يردّها على البائع ، لأنّه زال ملكه عنها بمجرّد الإيجاب ، فيتعيّن أن يبقيها ، وله أن يأخذ أرش النّقص من البائع ، ولا يجب عليه التّصدّق به ، لأنّه ملكه ، وعليه أن يذبحها في الوقت ، ويتصدّق بها كلّها لشبهها بالأضحيّة ، وإن لم تكن أضحيّةً ، ويسقط عنه الوجوب بهذا الذّبح ، ويسنّ له أن يردفها بسليمةٍ ، لتحصل له سنّة التّضحية . ولو زال عيبها قبل الذّبح لم تصر أضحيّةً إذ السّلامة لم توجد إلاّ بعد زوال ملكه عنها . ومن عيّن شاةً ليضحّي بها من غير إيجابٍ بنذرٍ ولا جعلٍ ، فطرأ عليها عيبٌ مخلٌّ بالإجزاء لم تجزئ التّضحية بها ، ولا فرق في طروء العيب بين كونه عند الذّبح أو قبله ، فلو أضجع شاةً ليضحّي بها وهي ، سليمةٌ فاضطربت ، وانكسرت رجلها ، أو عرجت تحت السّكّين لم تجزئه على الأصحّ عند الشّافعيّة . ومذهب الحنابلة قريبٌ من مذهب الشّافعيّة ، إلاّ أنّهم يقولون : إنّ الواجبة لا يجب التّصدّق بجميعها بل ببعضها ، كما أنّهم يقولون بإجزاء التّضحية إذا عيّن شاةً صحيحةً للتّضحية ، ثمّ حدث بها عيبٌ يمنع الإجزاء .
32 - الشّرط الرّابع : أن تكون مملوكةً للذّابح ، أو مأذوناً له فيها صراحةً أو دلالةً ، فإن لم تكن كذلك لم تجزئ التّضحية بها عن الذّابح ، لأنّه ليس مالكاً لها ولا نائباً عن مالكها ، لأنّه لم يأذن له في ذبحها عنه ، والأصل فيما يعمله الإنسان أن يقع للعامل ، ولا يقع لغيره إلاّ بإذنه . فلو غصب إنسانٌ شاةً ، فضحّى بها عن مالكها - من غير إجازته - لم تقع أضحيّةً عنه ، لعدم الإذن منه ، ولو ضحّى بها عن نفسه لم تجزئ عنه ، لعدم الملك ، ثمّ إن أخذها صاحبها مذبوحةً ، وضمّنه النّقصان ، فكذلك لا تجزئ عن واحدٍ منهما . وإن لم يأخذها صاحبها ، وضمّنه قيمتها حيّةً ، أجزأت عن الذّابح ، لأنّه ملكها بالضّمان من وقت الغصب ، فصار ذابحاً لشاةٍ هي ملكه ، لكنّه آثمٌ ، لأنّ ابتداء فعله وقع محظوراً ، فتلزمه التّوبة والاستغفار . وهذا قول أبي حنيفة وصاحبيه وقولٌ للمالكيّة . وقال زفر والشّافعيّة ، وهو أحد قولي المالكيّة ، وأحد روايتي الحنابلة ، لا تجزئ عنه ، لأنّ الضّمان لا يوجب الملك عندهم . ر : ( غصبٌ ) .
33 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو اشترى إنسانٌ شاةً فأضجعها ، وشدّ قوائمها للتّضحية بها ، فجاء إنسانٌ آخر فذبحها بغير إذنه صحّت أضحيّةً لمالكها ، لوجود الإذن منه دلالةً . وعند الحنابلة إذا عيّن الأضحيّة فذبحها غيره بغير إذنه أجزأت عن صاحبها ، ولا ضمان على ذابحها . واشترط المالكيّة لإجزائها وجود الإذن صراحةً أو اعتياده ذلك . ولو اشترى إنسانٌ شاةً ليضحّي بها ، فلمّا ذبحها تبيّن ببيّنةٍ أنّها مستحقّةٌ - أي أنّها كانت ملك إنسانٍ غير البائع - فحكمها حكم المغصوبة ، وشراؤه إيّاها بمنزلة العدم ، صرّح بذلك المالكيّة والحنابلة .
34 - ولو أودع رجلٌ رجلاً شاةً ، فضحّى بها عن نفسه ، فاختار صاحبها القيمة فأخذها ، فإنّ الشّاة لا تكون أضحيّةً عن الذّابح ، بخلاف المغصوبة والمستحقّة عند أبي حنيفة وصاحبيه ، ووجه الفرق أنّ سبب وجوب الضّمان في الوديعة هو الذّبح ، فلا يعتبر الذّابح مالكاً إلاّ بعد الذّبح ، فحين الذّبح لم يذبح ما هو مملوكٌ له ، فلم يجزئه أضحيّةً ، وسبب وجوب الضّمان في الغصب والاستحقاق هو الأخذ السّابق على الذّبح ، والضّمان يوجب الملكيّة كما سبق ، فيكون الذّابح في حالتي الغصب والاستحقاق ذابحاً ما هو مملوكٌ له فيجزئ عنه . وما قيل في الوديعة يقال في العاريّة والمستأجرة .
النّوع الثّاني :
شرائط ترجع إلى المضحّي يشترط في المضحّي لصحّة التّضحية ثلاثة شروطٍ :
35 - الشّرط الأوّل : نيّة التّضحية : لأنّ الذّبح قد يكون للّحم ، وقد يكون للقربة ، والفعل لا يقع قربةً إلاّ بالنّيّة ، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إنّما الأعمال بالنّيّات ، وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى » . والمراد بالأعمال القربات ، ثمّ إنّ القربات من الذّبائح أنواعٌ كثيرةٌ ، كهدي التّمتّع والقران والإحصار وجزاء الصّيد وكفّارة الحلف وغير ذلك من محظورات الحجّ والعمرة ، فلا تتعيّن الأضحيّة من بين هذه القربات إلاّ بنيّة التّضحية ، وتكفي النّيّة بالقلب دون التّلفّظ بها كما في الصّلاة ، لأنّ النّيّة عمل القلب ، والذّكر باللّسان دليلٌ على ما فيه . وقد اتّفق على هذا الشّرط الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وصرّح الشّافعيّة باستثناء المعيّنة بالنّذر ، كأن قال بلسانه - من غير نيّةٍ بقلبه - للّه عليّ نذر أن أضحّي بهذه الشّاة ، فإنّ نذره ينعقد باللّفظ ولو بلا نيّةٍ ، ولا تشترط النّيّة عند ذبحها ، بخلاف المجعولة ، بأن قال بلسانه : جعلت هذه الشّاة أضحيّةً ، فإنّ إيجابه ينعقد وإن لم ينو عند النّطق ، لكن لا بدّ من النّيّة عند ذبحها إن لم ينو عند النّطق . وقالوا : لو وكّل في الذّبح كفت نيّته ولا حاجة لنيّة الوكيل ، بل لا حاجة لعلمه بأنّها أضحيّةٌ . وقالوا أيضاً : يجوز لصاحب الأضحيّة أن يفوّض في نيّة التّضحية مسلماً مميّزاً ينوي عند الذّبح أو التّعيين ، بخلاف الكافر وغير المميّز بجنونٍ أو نحوه . وقال الحنابلة : إنّ الأضحيّة المعيّنة لا تجب فيها النّيّة عند الذّبح ، لكن لو ذبحها غير مالكها بغير إذنه ، ونواها عن نفسه عالماً بأنّها ملك غيره لم تجزئ عنهما ، أمّا مع عدم العلم فتجزئ عن المالك ولا أثر لنيّة الفضوليّ .
36 - الشّرط الثّاني : أن تكون النّيّة مقارنةً للذّبح أو مقارنةً للتّعيين السّابق على الذّبح ، سواءٌ أكان هذا التّعيين بشراء الشّاة أم بإفرازها ممّا يملكه ، وسواءٌ أكان ذلك للتّطوّع أم لنذرٍ في الذّمّة ، ومثله الجعل كأن يقول : جعلت هذه الشّاة أضحيّةً ، فالنّيّة في هذا كلّه تكفي عن النّيّة عند الذّبح ، وأمّا المنذورة المعيّنة فلا تحتاج لنيّةٍ كما سبق . هذا عند الشّافعيّة . أمّا الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة فتكفي عندهم النّيّة السّابقة عند الشّراء أو التّعيين .
37 - الشّرط الثّالث : ألاّ يشارك المضحّي فيما يحتمل الشّركة من لا يريد القربة رأساً ، فإن شارك لم يصحّ عن الأضحيّة . وإيضاح هذا ، أنّ البدنة والبقرة كلٌّ منهما يجزئ عن سبعةٍ عند الجمهور كما مرّ . فإذا اشترك فيها سبعةٌ ، فلا بدّ أن يكون كلّ واحدٍ منهم مريداً للقربة ، وإن اختلف نوعها . فلو اشترى سبعةٌ أو أقلّ بدنةً ، أو اشتراها واحدٌ بنيّة التّشريك فيها ، ثمّ شرك فيها ستّةً أو أقلّ ، وأراد واحدٌ منهم التّضحية ، وآخر هدي المتعة ، وثالثٌ هدي القران ، ورابعٌ كفّارة الحلف ، وخامسٌ كفّارة الدّم عن ترك الميقات ، وسادسٌ هدي التّطوّع ، وسابعٌ العقيقة عن ولده أجزأتهم البدنة . بخلاف ما لو كان أحدهم يريد سبعها ليأكله ، أو ليطعم أهله ، أو ليبيعه ، فلا تجزئ عن الآخرين الّذين أرادوا القربة . هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّدٍ . وذلك ، لأنّ القربة الّتي في الأضحيّة ، وفي هذه الأنواع كلّها إنّما هي في إراقة الدّم ، وإراقة الدّم في البدنة الواحدة لا تتجزّأ ، لأنّها ذبحٌ واحدٌ ، فإن لم تكن هذه الإراقة قربةً من واحدٍ أو أكثر لم تكن قربةً من الباقين ، بخلاف ما لو كانت هذه الإراقة قربةً من الجميع ، وإن اختلفت جهتها ، أو كان بعضها واجباً وبعضها تطوّعاً . وقال زفر : لا يجزئ الذّبح عن الأضحيّة أو غيرها من القرب عند الاشتراك ، إلاّ إذا كان المشتركون متّفقين في جهة القربة ، كأن يشترك سبعةٌ كلّهم يريد الأضحيّة ، أو سبعةٌ كلّهم يريد جزاء الصّيد ، فإن اختلفوا في الجهة لم يصحّ الذّبح عن واحدٍ منهم ، لأنّ القياس يأبى الاشتراك ، إذ الذّبح فعل واحدٍ لا يتجزّأ ، فلا يتصوّر أن يقع بعضه عن جهةٍ ، وبعضه عن جهةٍ أخرى ، لكن عند اتّحاد الجهة يمكن أن تجعل كقربةٍ واحدةٍ ، ولا يمكن ذلك عند الاختلاف ، فبقي الأمر فيه مردوداً إلى القياس . وروي عن أبي حنيفة أنّه كره الاشتراك عند اختلاف الجهة ، وقال : لو كان هذا من نوعٍ واحدٍ لكان أحبّ إليّ ، وهكذا قال أبو يوسف .
38 - ولو اشترى رجلٌ بقرةً يريد أن يضحّي بها ، ثمّ أشرك فيها بعد ذلك غيره ، فإن كان فقيراً حين اشتراها فقد أوجبها على نفسه كما سبق ، فلا يجوز أن يشرك فيها غيره . وإن كان غنيّاً مقيماً ، وقد اشتراها قبل وقت الوجوب ، أو غنيّاً مسافراً فكذلك . وإن كان غنيّاً مقيماً ، واشتراها بعد وقت الوجوب فإنّ شراءها لا يوجبها كما تقدّم ، فيجوز له أن يشرك فيها معه ستّةً أو أقلّ يريدون القربة ، لكنّ ذلك مكروهٌ لأنّه لمّا اشتراها بنيّة التّضحية كان ذلك منه وعداً أن يضحّي بها كلّها عن نفسه ، وإخلاف الوعد مكروهٌ ، وينبغي في هذه الحالة أن يتصدّق بالثّمن الّذي أخذه ممّن أشركهم معه ، لما روي « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دفع إلى حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه ديناراً ، وأمره أن يشتري له أضحيّةً ، فاشترى شاةً وباعها بدينارين ، واشترى بأحدهما شاةً وجاء النّبيّ عليه الصلاة والسلام بشاةٍ ودينارٍ ، وأخبره بما صنع ، فأمره عليه الصلاة والسلام أن يضحّي بالشّاة ، ويتصدّق بالدّينار » هذا كلّه مذهب الحنفيّة . وخالفهم الشّافعيّة والحنابلة فأجازوا أن يشترك مريد التّضحية أو غيرها من القربات مع مريد اللّحم ، حتّى لو كان لمريد التّضحية سبع البدنة ، ولمريد الهدي سبعها ، ولمريد العقيقة سبعها ، ولمريد اللّحم باقيها ، فذبحت بهذه النّيّات جاز ، لأنّ الفعل إنّما يصير قربةً من كلّ واحدٍ بنيّته لا بنيّة شريكه ، فعدم النّيّة من أحدهم لا يقدح في قربة الباقين . وقال المالكيّة : لا يجوز الاشتراك في الثّمن أو اللّحم ، فإن اشترك جماعةٌ في الثّمن ، بأن دفع كلّ واحدٍ منهم جزءاً منه ، أو اشتركوا في اللّحم ، بأن كانت الشّاة أو البدنة مشتركةً بينهم لم تجزئ عن واحدٍ منهم ، بخلاف إشراكهم في الثّواب ممّن ضحّى بها قبل الذّبح كما مرّ .
وقت التّضحية مبدأٌ ونهايةٌ مبدأ الوقت :
39 - قال الحنفيّة : يدخل وقت التّضحية عند طلوع فجر يوم النّحر ، وهو يوم العيد ، وهذا الوقت لا يختلف في ذاته بالنّسبة لمن يضحّي في المصر أو غيره . لكنّهم اشترطوا في صحّتها لمن يضحّي في المصر أن يكون الذّبح بعد صلاة العيد ، ولو قبل الخطبة ، إلاّ أنّ الأفضل تأخيره إلى ما بعد الخطبة ، وإذا صلّيت صلاة العيد في مواضع من المصر كفى في صحّة التّضحية الفراغ من الصّلاة في أحد المواضع . وإذا عطّلت صلاة العيد ينتظر حتّى يمضي وقت الصّلاة بأن تزول الشّمس ، ثمّ يذبح بعد ذلك . وأمّا من يضحّي في غير المصر فإنّه لا تشترط له هذه الشّريطة ، بل يجوز أن يذبح بعد طلوع فجر يوم النّحر ، لأنّ أهل غير المصر ليس عليهم صلاة العيد . وإذا كان من عليه الأضحيّة مقيماً في المصر ، ووكّل من يضحّي عنه في غيره أو بالعكس ، فالعبرة بمكان الذّبح لا بمكان الموكّل المضحّي ، لأنّ الذّبح هو القربة . وقال المالكيّة ، وهو أحد أقوال الحنابلة : إنّ أوّل وقت التّضحية بالنّسبة لغير الإمام هو وقت الفراغ من ذبح أضحيّة الإمام بعد الصّلاة والخطبتين في اليوم الأوّل ، وبالنّسبة للإمام هو وقت الفراغ من صلاته وخطبته ، فلو ذبح الإمام قبل الفراغ من خطبتيه لم يجزئه ، ولو ذبح النّاس قبل الفراغ من ذبح أضحيّة الإمام لم يجزئهم ، إلاّ إذا بدءوا بعد بدئه ، وانتهوا بعد انتهائه أو معه . وإذا لم يذبح الإمام أو توانى في الذّبح بعد فراغ خطبتيه بلا عذرٍ أو بعذرٍ تحرّى النّاس القدر الّذي يمكن فيه الذّبح ، ثمّ ذبحوا أضاحيّهم ، فتجزئهم وإن سبقوه لكن عند التّواني بعذرٍ ، كقتال عدوٍّ أو إغماءٍ أو جنونٍ يندب انتظاره حتّى يفرغ من تضحيته ، إلاّ إذا قرب زوال الشّمس فينبغي للنّاس حينئذٍ أن يضحّوا ولو قبل الإمام . ثمّ إن لم يكن في البلد إلاّ نائب الإمام الحاكم أو إمام الصّلاة فالمعتبر نائب الإمام ، وإن كان فيها هذا وذاك ، وأخرج نائب الإمام أضحيّته إلى المصلّى فهو المعتبر ، وإلاّ فالمعتبر إمام الصّلاة ، فإن لم يكن هذا ولا ذاك تحرّوا تضحية إمام أقرب البلاد إليهم إن كان واحداً ، فإن تعدّد تحرّوا تضحية أقرب الأئمّة لبلدهم . وقال الشّافعيّة ، وهو أحد أقوالٍ للحنابلة : يدخل وقت التّضحية بعد طلوع الشّمس يوم عيد النّحر بمقدار ما يسع ركعتين خفيفتين وخطبتين خفيفتين ، والمراد بالخفّة الاقتصار على ما يجزئ في الصّلاة والخطبتين . قالوا : وإنّما لم تتوقّف صحّة التّضحية على الفراغ من صلاة الإمام وخطبتيه بالفعل لأنّ الأئمّة يختلفون تطويلاً وتقصيراً ، فاعتبر الزّمان ليكون أشبه بمواقيت الصّلاة وغيرها ، وأضبط للنّاس في الأمصار والقرى والبوادي ، وهذا هو المراد بالأحاديث الّتي تقدّمت ، « وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي صلاة عيد الأضحى عقب طلوع الشّمس » . والأفضل تأخير التّضحية عن ارتفاع الشّمس قدر رمحٍ بالمقدار السّابق الذّكر . وذهب الحنابلة في قولٍ ثالثٍ لهم وهو الأرجح ، إلى أنّ وقتها يبتدئ بعد صلاة العيد ولو قبل الخطبة لكنّ الأفضل انتظار الخطبتين . ولا يلزم انتظار الفراغ من الصّلاة في جميع الأماكن إن تعدّدت ، بل يكفي الفراغ من واحدةٍ منها ، وإذا كان مريد التّضحية في جهةٍ لا يصلّى فيها العيد - كالبادية وأهل الخيام ممّن لا عيد عليهم - فالوقت يبتدئ بعد مضيّ قدر صلاة العيد من ارتفاع الشّمس قدر رمحٍ . وإذا فاتت صلاة العيد بالزّوال في الأماكن الّتي تصلّى فيها ضحّوا من حين الفوات .
نهاية وقت التّضحية :
40 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ أيّام التّضحية ثلاثةٌ ، وهي يوم العيد ، واليومان الأوّلان من أيّام التّشريق ، فينتهي وقت التّضحية بغروب شمس اليوم الأخير من الأيّام المذكورة ، وهو ثاني أيّام التّشريق . واحتجّوا بأنّ عمر وعليّاً وأبا هريرة وأنساً وابن عبّاسٍ وابن عمر رضي الله عنهم أخبروا أنّ أيّام النّحر ثلاثةٌ . ومعلومٌ أنّ المقادير لا يهتدى إليها بالرّأي ، فلا بدّ أن يكون هؤلاء الصّحابة الكرام أخبروا بذلك سماعاً . وقال الشّافعيّة - وهو القول الآخر للحنابلة واختاره ابن تيميّة - أيّام التّضحية أربعةٌ ، تنتهي بغروب شمس اليوم الثّالث من أيّام التّشريق ، وهذا القول مرويٌّ عن عليٍّ وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم أيضاً ، ومرويٌّ كذلك عن جبير بن مطعمٍ رضي الله عنه ، وعن عطاءٍ والحسن البصريّ وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسديّ ومكحولٍ . وحجّة القائلين بهذا قوله عليه الصلاة والسلام : « كلّ أيّام التّشريق ذبحٌ » .
التّضحية في ليالي أيّام النّحر :
41 - أمّا ليلة عيد الأضحى فليست وقتاً للتّضحية بلا خلافٍ ، وكذلك اللّيلة المتأخّرة من أيّام النّحر ، وإنّما الخلاف في اللّيلتين أو اللّيالي المتوسّطة بين أيّام النّحر . فالمالكيّة يقولون : لا تجزئ التّضحية الّتي تقع في اللّيلتين المتوسّطتين ، وهما ليلتا يومي التّشريق من غروب الشّمس إلى طلوع الفجر . وهذا أحد قولي الحنابلة . وقال الحنابلة والشّافعيّة : إنّ التّضحية في اللّيالي المتوسّطة تجزئ مع الكراهة ، لأنّ الذّابح قد يخطئ المذبح ، وإليه ذهب إسحاق وأبو ثورٍ والجمهور . وهو أصحّ القولين عند الحنابلة . واستثنى الشّافعيّة من كراهية التّضحية ليلاً ما لو كان ذلك لحاجةٍ ، كاشتغاله نهاراً بما يمنعه من التّضحية ، أو مصلحةٍ كتيسّر الفقراء ليلاً ، أو سهولة حضورهم .
ما يجب بفوات وقت التّضحية :
42 - ولمّا كانت القربة في الأضحيّة بإراقة الدّم ، وكانت هذه الإراقة لا يعقل السّرّ في التّقرّب بها ، وجب الاقتصار في التّقرّب بها على الوقت الّذي خصّها الشّارع به . فلا تقضى بعينها بعد فوات وقتها ، بل ينتقل التّغرّب إلى التّصدّق بعين الشّاة حيّةً ، أو بقيمتها أو بقيمة أضحيّةٍ مجزئةٍ ، فمن عيّن أضحيّةً شاةً أو غيرها بالنّذر أو بالشّراء بالنّيّة فلم يضحّ بها حتّى مضت أيّام النّحر وجب عليه أن يتصدّق بها حيّةً ، لأنّ الأصل في الأموال التّقرّب بالتّصدّق بها لا بالإتلاف وهو الإراقة . إلاّ أنّ الشّارع نقله إلى إراقة دمها مقيّدةً بوقتٍ مخصوصٍ حتّى أنّه يحلّ أكل لحمها للمالك والأجنبيّ والغنيّ والفقير ، لأنّ النّاس أضياف اللّه تعالى في هذا الوقت .
43 - ومن وجب عليه التّصدّق بالبهيمة حيّةً لم يحلّ له ذبحها ولا الأكل منها ولا إطعام الأغنياء ولا إتلاف شيءٍ منها ، فإن ذبحها وجب عليه التّصدّق بها مذبوحةً ، فإن كانت قيمتها بعد الذّبح أقلّ من قيمتها حيّةً تصدّق بالفرق بين القيمتين فضلاً عن التّصدّق بها . فإن أكل منها بعد الذّبح شيئاً أو أطعم منها غنيّاً أو أتلف شيئاً وجب عليه التّصدّق بقيمته .
44 - ومن وجبت عليه التّضحية ولم يضحّ حتّى فات الوقت ثمّ حضرته الوفاة وجب عليه أن يوصي بالتّصدّق بقيمة شاةٍ من ثلث ماله ، لأنّ الوصيّة هي الطّريق إلى تخليصه من عهدة الواجب . هذا كلّه مذهب الحنفيّة . وللإيصاء بالتّضحية صورٌ نكتفي بالإشارة إليها ، ولتفصيلها وبيان أحكامها ( ر : وصيّةٌ ) . وقال الشّافعيّة والحنابلة : من لم يضحّ حتّى فات الوقت فإن كانت مسنونةً - وهو الأصل - لم يضحّ ، وفاتته تضحية هذا العام ، فإن ذبح ولو بنيّة التّضحية لم تكن ذبيحته أضحيّةً ، ويثاب على ما يعطي الفقراء منها ثواب الصّدقة . وإن كانت منذورةً لزمه أن يضحّي قضاءً ، وهو رأيٌ لبعض المالكيّة ، لأنّها قد وجبت عليه فلم تسقط بفوات الوقت ، فإذا وجبت الأضحيّة بإيجابه لها فضلّت أو سرقت بغير تفريطٍ منه فلا ضمان عليه ، لأنّها أمانةٌ في يده ، فإن عادت إليه ذبحها سواءٌ أكانت عودتها في زمن الأضحيّة أو بعده . فإذا مضى الوقت ولم يضحّ بالشّاة المعيّنة عاد الحكم إلى الأصل ، وهو التّصدّق بعين الأضحيّة حيّةً سواءٌ أكان الّذي عيّنها موسراً أم معسراً أو بقيمتها . وفي هذه الحال لا تحلّ له ولا لأصله ولا لفرعه ولا لغنيٍّ .
ما يستحبّ قبل التّضحية :
45 - يستحبّ قبل التّضحية أمورٌ :
1 - أن يربط المضحّي الأضحيّة قبل يوم النّحر بأيّامٍ ، لما فيه من الاستعداد للقربة وإظهار الرّغبة فيها ، فيكون له فيه أجرٌ وثوابٌ .
2 - أن يقلّدها ويجلّلها قياساً على الهدي ، لأنّ ذلك يشعر بتعظيمها ، قال تعالى : { ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب } .
3 - أن يسوقها إلى مكان الذّبح سوقاً جميلاً لا عنيفاً ولا يجرّ برجلها إليه ، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ اللّه تعالى كتب الإحسان على كلّ شيءٍ ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة ، وليحدّ أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته » .
4 - وقال المالكيّة والشّافعيّة : يسنّ لمن يريد التّضحية ولمن يعلم أنّ غيره يضحّي عنه ألاّ يزيل شيئاً من شعر رأسه أو بدنه بحلقٍ أو قصٍّ أو غيرهما ، ولا شيئاً من أظفاره بتقليمٍ أو غيره ، ولا شيئاً من بشرته كسلعةٍ لا يضرّه بقاؤها ، وذلك من ليلة اليوم الأوّل من ذي الحجّة إلى الفراغ من ذبح الأضحيّة . وقال الحنابلة : إنّ ذلك واجبٌ ، لا مسنونٌ ، وحكي الوجوب عن سعيد بن المسيّب وربيعة وإسحاق . ونقل ابن قدامة عن الحنفيّة عدم الكراهة . وعلى القول بالسّنّيّة يكون الإقدام على هذه الأمور مكروهاً تنزيهاً ، وعلى القول بالوجوب يكون محرّماً . والأصل في ذلك حديث أمّ سلمة رضي الله عنها « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحّي فلا يمسّ من شعره ولا من بشره شيئاً » . وفي روايةٍ أخرى عنها رضي الله عنها أنّه صلى الله عليه وسلم قال : « إذا رأيتم هلال ذي الحجّة وأراد أحدكم أن يضحّي فليمسك عن شعره وأظفاره » . والقائلون بالسّنّيّة جعلوا النّهي للكراهة . والحديث الدّالّ على عدم تحريم الفعل هو حديث عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : « كنت أفتل قلائد هدي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثمّ يقلّده ويبعث به ولا يحرم عليه شيءٌ أحلّه اللّه له حتّى ينحر هديه » . قال الشّافعيّ : البعث بالهدي ، أكثر من إرادة التّضحية فدلّ على أنّه لا يحرم ذلك . والحكمة في مشروعيّة الإمساك عن الشّعر والأظفار ونحوهما قيل : إنّها التّشبّه بالمحرم بالحجّ ، والصّحيح : أنّ الحكمة أن يبقى مريد التّضحية كامل الأجزاء رجاء أن يعتق من النّار بالتّضحية .
ما يكره قبل التّضحية :
ذهب الحنفيّة إلى أنّه يكره تحريماً قبل التّضحية أمورٌ :
46 - الأمر الأوّل : حلب الشّاة الّتي اشتريت للتّضحية أو جزّ صوفها ، سواءٌ أكان الّذي اشتراها موسراً أم معسراً ، وكذا الشّاة الّتي تعيّنت بالنّذر ، كأن قال : للّه عليّ أن أضحّي بهذه ، أو قال : جعلت هذه أضحيّةً . وإنّما كره ذلك ، لأنّه عيّنها للقربة فلا يحلّ الانتفاع بها قبل إقامة القربة فيها ، كما لا يحلّ له الانتفاع بلحمها إذا ذبحها قبل وقتها ، ولأنّ الحلب والجزّ يوجبان نقصاً فيها والأضحيّة يمتنع إدخال النّقص فيها . واستثنى بعضهم الشّاة الّتي اشتراها الموسر بنيّة التّضحية ، لأنّ شراءه إيّاها لم يجعلها واجبةً ، إذ الواجب عليه شاةٌ في ذمّته كما تقدّم . وهذا الاستثناء ضعيفٌ ، فإنّها متعيّنةٌ للقربة ما لم يقم غيرها مقامها ، فقبل أن يذبح غيرها بدلاً منها لا يجوز له أن يحلبها ، ولا أن يجزّ صوفها للانتفاع به . ولهذا لا يحلّ له لحمها إذا ذبحها قبل وقتها . فإن كان في ضرع الأضحيّة المعيّنة لبنٌ وهو يخاف عليها الضّرر والهلاك إن لم يحلبها نضح ضرعها بالماء البارد حتّى يتقلّص اللّبن ، لأنّه لا سبيل إلى الحلب . فإن حلبه تصدّق باللّبن ، لأنّه جزءٌ من شاةٍ متعيّنةٍ للقربة . فإن لم يتصدّق به حتّى تلف أو شربه مثلاً وجب عليه التّصدّق بمثله أو بقيمته . وما قيل في اللّبن يقال في الصّوف والشّعر والوبر . وقال المالكيّة : يكره - أي تنزيهاً - شرب لبن الأضحيّة بمجرّد شرائها أو تعيينها من بين بهائمه للتّضحية ، ويكره أيضاً جزّ صوفها قبل الذّبح ، لما فيه من نقص جمالها ، ويستثنى من ذلك صورتان :
أولاهما : أن يعلم أنّه ينبت مثله أو قريبٌ منه قبل الذّبح .
ثانيتهما : أن يكون قد أخذها بالشّراء ونحوه ، أو عيّنها للتّضحية بها من بين بهائمه ناوياً جزّ صوفها ، ففي هاتين الصّورتين لا يكره جزّ الصّوف . وإذا جزّه في غير هاتين الصّورتين كره له بيعه . وقال الشّافعيّة والحنابلة : لا يشرب من لبن الأضحيّة إلاّ الفاضل عن ولدها ، فإن لم يفضل عنه شيءٌ أو كان الحلب يضرّ بها أو ينقص لحمها لم يكن له أخذه ، وإن لم يكن كذلك فله أخذه والانتفاع به . وقالوا أيضاً : إن كان بقاء الصّوف لا يضرّ بها أو كان أنفع من الجزّ لم يجز له أخذه ، وإن كان يضرّ بها أو كان الجزّ أنفع منه جاز الجزّ ووجب التّصدّق بالمجزوز .
47 - الأمر الثّاني : من الأمور الّتي تكره تحريماً عند الحنفيّة قبل التّضحية - بيع الشّاة المتعيّنة للقربة بالشّراء أو بالنّذر ، وإنّما كره بيعها ، لأنّها تعيّنت للقربة ، فلم يحلّ الانتفاع بثمنها كما لم يحلّ الانتفاع بلبنها وصوفها ، ثمّ إنّ البيع مع كراهته ينفذ عند أبي حنيفة ومحمّدٍ ، لأنّه بيع مالٍ مملوكٍ منتفعٍ به مقدورٍ على تسليمه ، وعند أبي يوسف لا ينفذ ، لأنّه بمنزلة الوقف . وبناءً على نفاذ بيعها فعليه مكانها مثلها أو أرفع منها فيضحّي بها ، فإن فعل ذلك فليس عليه شيءٌ آخر ، وإن اشترى دونها فعليه أن يتصدّق بفرق ما بين القيمتين ، ولا عبرة بالثّمن الّذي حصل به البيع والشّراء إن كان مغايراً للقيمة . وقال المالكيّة : يحرم بيع الأضحيّة المعيّنة بالنّذر وإبدالها ، وأمّا الّتي لم تتعيّن بالنّذر فيكره أن يستبدل بها ما هو مثلها أو أقلّ منها . فإذا اختلطت مع غيرها واشتبهت وكان بعض المختلط أفضل من بعضٍ كره له ترك الأفضل بغير قرعةٍ . وقال الشّافعيّة : لا يجوز بيع الأضحيّة الواجبة ولا إبدالها ولو بخيرٍ منها ، وإلى هذا ذهب أبو ثورٍ واختاره أبو الخطّاب من الحنابلة . ولكنّ المنصوص عن أحمد - وهو الرّاجح عند الحنابلة - أنّه يجوز أن يبدّل الأضحيّة الّتي أوجبها بخيرٍ منها ، وبه قال عطاءٌ ومجاهدٌ وعكرمة
47 - الأمر الثّالث" م": - من الأمور الّتي تكره تحريماً عند الحنفيّة قبل التّضحية - بيع ما ولد للشّاة المتعيّنة بالنّذر أو بالشّراء بالنّيّة ، وإنّما كره بيعه ، لأنّ أمّه تعيّنت للأضحيّة ، والولد يتبع الأمّ في الصّفات الشّرعيّة كالرّقّ والحرّيّة ، فكان يجب الإبقاء عليه حتّى يذبح معها . فإذا باعه وجب عليه التّصدّق بثمنه . وقال القدوريّ : يجب ذبح الولد ، ولو تصدّق به حيّاً جاز ، لأنّ الحقّ لم يسر إليه ولكنّه متعلّقٌ به ، فكان كجلّها وخطامها ، فإن ذبحه تصدّق بقيمته ، وإن باعه تصدّق بثمنه . وفي الفتاوى الخانيّة أنّه يستحبّ التّصدّق به حيّاً ، ويجوز ذبحه ، وإذا ذبح وجب التّصدّق به ، فإن أكل منه تصدّق بقيمة ما أكل . وقال المالكيّة : يحرم بيع ولد الأضحيّة المعيّنة بالنّذر ، ويندب ذبح ولد الأضحيّة مطلقاً ، سواءٌ أكانت معيّنةً بالنّذر أم لا إذا خرج قبل ذبحها ، فإذا ذبح سلك به مسلك الأضحيّة ، وإذا لم يذبح جاز إبقاؤه وصحّت التّضحية به في عامٍ آخر . وأمّا الولد الّذي خرج بعد الذّبح ، فإن خرج ميّتاً ، وكان قد تمّ خلقه ونبت شعره كان كجزءٍ من الأضحيّة ، وإن خرج حيّاً حياةً محقّقةً وجب ذبحه لاستقلاله بنفسه . وقال الشّافعيّة : إذا نذر شاةً معيّنةً أو قال : جعلت هذه الشّاة أضحيّةً ، أو نذر أضحيّةً في الذّمّة ثمّ عيّن شاةً عمّا في ذمّته ، فولدت الشّاة المذكورة وجب ذبح ولدها في الصّور الثّلاث ، والأصحّ أنّه لا يجب تفرقته على الفقراء بخلاف أمّه ، إلاّ إذا ماتت أمّه فيجب تفرقته عليهم ، وولد الأضحيّة في غير هذه الصّور الثّلاث لا يجب ذبحه ، وإذا ذبح لم يجب التّصدّق بشيءٍ منه ، ويجوز فيه الأكل والتّصدّق والإهداء ، وإذا تصدّق بشيءٍ منه لم يغن عن وجوب التّصدّق بشيءٍ منها . وقال الحنابلة : إذا عيّن أضحيّةً فولدت فولدها تابعٌ لها ، حكمه حكمها ، سواءٌ أكانت حاملاً به حين التّعيين ، أو حدث الحمل بعده ، فيجب ذبحه في أيّام النّحر ، وقد روي عن عليٍّ رضي الله عنه أنّ رجلاً سأله فقال : يا أمير المؤمنين إنّي اشتريت هذه البقرة لأضحّي بها ، وإنّها وضعت هذا العجل ؟ فقال عليٌّ : لا تحلبها إلاّ فضلاً عن تيسير ولدها فإذا كان يوم الأضحى فاذبحها وولدها عن سبعةٍ .
48 - الأمر الرّابع : - من الأمور الّتي تكره تحريماً عند الحنفيّة قبل التّضحية - ركوب الأضحيّة واستعمالها والحمل عليها . فإن فعل شيئاً منها أثم ، ولم يجب عليه التّصدّق بشيءٍ ، إلاّ أن يكون هذا الفعل نقّص قيمتها ، فعليه أن يتصدّق بقيمة النّقص . فإن آجرها للرّكوب أو الحمل تصدّق بقيمة النّقص فضلاً عن تصدّقه بالكراء . وللمالكيّة في إجارة الأضحيّة قبل ذبحها قولان :
أحدهما : المنع
وثانيهما : الجواز وهو المعتمد . وقال الشّافعيّة : يجوز لصاحب الأضحيّة الواجبة ركوبها وإركابها بلا أجرةٍ ، وإن تلفت أو نقصت بذلك ضمنها . لكن إن حصل ذلك في يد المستعير ضمنها المستعير ، وإنّما يضمنها هو أو المستعير إذا تلفت أو نقصت بعد دخول الوقت والتّمكّن من الذّبح ، أمّا قبله فلا ضمان ، لأنّها أمانةٌ في يد المعير ، ومن المعلوم أنّ المستعير إنّما يضمن إذا لم تكن يد معيره يد أمانةٍ .
49 - هذا وهناك مكروهاتٌ ذكرت في غير كتب الحنفيّة : منها : ما صرّح به المالكيّة من أنّ التّغالي بكثرة ثمنها زيادةٌ على عادة أهل البلد يكره - أي تنزيهاً - لأنّ شأن ذلك المباهاة . وكذا زيادة العدد . فإن نوى بزيادة الثّمن أو العدد الثّواب وكثرة الخير لم يكره بل يندب .
ما يستحبّ وما يكره عند إرادة التّضحية :
50 - لمّا كانت التّضحية نوعاً من التّذكية ، كانت مستحبّات التّذكية من ذبحٍ ونحرٍ مستحبّةً فيها ، ومكروهاتها مكروهةٌ فيها . ولتفصيل ما يستحبّ وما يكره في التّذكية ( ر : ذبائح ) . وللتّضحية مستحبّاتٌ ومكروهاتٌ خاصّةٌ تكون عندها ، وهي إمّا أن ترجع إلى الأضحيّة ، أو إلى المضحّي ، أو إلى الوقت . ولنذكر ذلك في ثلاثة مباحث : ما يرجع إلى الأضحيّة من المستحبّات والمكروهات عند التّضحية :
51 - يستحبّ في الأضحيّة أن تكون أسمن وأعظم بدناً من غيرها ، لقوله تعالى : { ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب } . ومن تعظيمها أن يختارها صاحبها عظيمة البدن سمينةً . وإذا اختار التّضحية بالشّياه ، فأفضلها الكبش الأملح الأقرن الموجوء ( أي المخصيّ ) ، لحديث أنسٍ رضي الله عنه : « ضحّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين » ، ولأنّه صلى الله عليه وسلم « ضحّى بكبشين أملحين موجوءين » ، والأقرن : العظيم القرن ، والأملح : الأبيض ، والموجوء : قيل : هو المدقوق الخصيتين ، وقيل : هو الخصيّ ، وفي الحديث أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « دم عفراء أحبّ إلى اللّه من دم سوداوين » . قال الحنفيّة : الشّاة أفضل من سبع البقرة . بل أفضل من البقرة إن استوتا في القيمة ومقدار اللّحم . والأصل في هذا أنّ ما استويا في مقدار اللّحم والقيمة فأطيبهما لحماً أفضل . وما اختلفا فيهما فالفاضل أولى ، والذّكر من الضّأن والمعز إذا كان موجوءاً فهو أولى من الأنثى ، وإلاّ فالأنثى أفضل عند الاستواء في القيمة ومقدار اللّحم . والأنثى من الإبل والبقر أفضل من الذّكر عند استواء اللّحم والقيمة . وقال المالكيّة : يندب أن تكون جيّدةً ، بأن تكون أعلى النّعم ، وأن تكون سمينةً ، ويندب أيضاً تسمينها ، لحديث أبي أمامة رضي الله عنه .« قال : كنّا نسمّن الأضحيّة بالمدينة ، وكان المسلمون يسمّنون » . والذّكر أفضل من الأنثى ، والأقرن أفضل من الأجمّ ، ويفضّل الأبيض على غيره ، والفحل على الخصيّ إن لم يكن الخصيّ أسمن ، وأفضل الأضاحيّ ضأنٌ مطلقاً : فحله ، فخصيّه ، فأنثاه ، فمعزٌ كذلك ، واختلف فيما يليهما أهي الإبل أم البقر . والحقّ أنّ ذلك يختلف باختلاف البلاد ، ففي بعضها تكون الإبل أطيب لحماً فتكون أفضل ، وفي بعضها يكون البقر أطيب لحماً فيكون أفضل . وقال الشّافعيّة : أفضل الأضاحيّ سبع شياهٍ ، فبدنةٌ فبقرةٌ ، فشاةٌ واحدةٌ ، فسبع بدنةٍ ، فسبع بقرةٍ ، والضّأن أفضل من المعز ، والذّكر الّذي لم ينز أفضل من الأنثى الّتي لم تلد ، ويليهما الذّكر الّذي ينزو ، فالأنثى الّتي تلد . والبيضاء أفضل ، فالعفراء ، فالصّفراء ، فالحمراء ، فالبلقاء ، ويلي ذلك السّوداء . ويستحبّ تسمين الأضحيّة . وقال الحنابلة : أفضل الأضاحيّ البدنة ، ثمّ البقرة ، ثمّ الشّاة ، ثمّ شركٌ في بدنةٍ ، ثمّ شركٌ في بقرةٍ
52 - ويكره في الأضحيّة أن تكون معيبةً بعيبٍ لا يخلّ بالإجزاء . ما يستحبّ في التّضحية من أمورٍ ترجع إلى المضحّي :
53 - أن يذبح بنفسه إن قدر عليه ، لأنّه قربةٌ ، ومباشرة القربة أفضل من تفويض إنسانٍ آخر فيها ، فإن لم يحسن الذّبح فالأولى توليته مسلماً يحسنه ، ويستحبّ في هذه الحالة أن يشهد الأضحيّة لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها : « يا فاطمة قومي إلى أضحيّتك فاشهديها » . وقد اتّفقت المذاهب على هذا . غير أنّ الشّافعيّة قالوا : الأفضل للأكثر والخنثى والأعمى التّوكيل وإن قدروا على الذّبح . ولهذه النّقطة تتمّةٌ ستأتي .
54 - أن يدعو فيقول : ( اللّهمّ منك ولك ، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين لا شريك له ، وبذلك أمرت ، وأنا من المسلمين ) لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة رضي الله عنها أن تقول : « إنّ صلاتي ونسكي ... » إلخ . ولحديث جابرٍ رضي الله عنه أنّه قال : « ذبح النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الذّبح كبشين أقرنين أملحين موجوءين فلمّا وجّههما قال : إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّموات والأرض على ملّة إبراهيم حنيفاً وما أنا من المشركين ، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين . اللّهمّ منك ولك عن محمّدٍ وأمّته ، بسم اللّه واللّه أكبر ثمّ ذبح » . هذا مذهب الحنفيّة . وقال المالكيّة يكره قول المضحّي عند التّسمية " اللّهمّ منك وإليك " ، لأنّه لم يصحبه عمل أهل المدينة . وقال الشّافعيّة : يستحبّ بعد التّسمية التّكبير ثلاثاً والصّلاة والسّلام على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والدّعاء بالقبول ، بأن يقول : اللّهمّ هذا منك وإليك ، واختلفوا في إكمال التّسمية بأن يقال : ( الرّحمن الرّحيم ) فقيل : لا يستحبّ ، لأنّ الذّبح لا تناسبه الرّحمة ، وقيل : يستحبّ وهو أكمل ، لأنّ في الذّبح رحمةً بالآكلين . وقال الحنابلة : يقول المضحّي عند الذّبح : ( بسم اللّه واللّه أكبر ). والتّسمية واجبةٌ عند التّذكّر والقدرة ، والتّكبير مستحبٌّ ، فقد ثبت أنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح قال : بسم اللّه واللّه أكبر » . وفي حديث أنسٍ « وسمّى وكبّر » وإن زاد فقال : اللّهمّ هذا منك ولك ، اللّهمّ تقبّل منّي أو من فلانٍ فحسنٌ ، لأنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بكبشٍ له ليذبحه فأضجعه ثمّ قال : اللّهمّ تقبّل من محمّدٍ وآل محمّدٍ وأمّة محمّدٍ ثمّ ضحّى به » .
55 - أن يجعل الدّعاء المذكور قبل ابتداء الذّبح أو بعد انتهائه ويخصّ حالة الذّبح بالتّسمية مجرّدةً . هكذا قال الحنفيّة . ويكره عند الحنفيّة خلط التّسمية بكلامٍ آخر حالة الذّبح ولو كان دعاءً ، لأنّه ينبغي كما تقدّم أن تجعل الأدعية سابقةً على ابتداء الذّبح أو متأخّرةً عن الفراغ منه .
ما يرجع إلى وقت التّضحية من المستحبّات والمكروهات :
56 - تستحبّ المبادرة إلى التّضحية ، فالتّضحية في اليوم الأوّل أفضل منها فيما يليه ، لأنّها مسارعةٌ إلى الخير ، وقد قال اللّه تعالى : { وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنّةٍ عرضها السّموات والأرض أعدّت للمتّقين } . والمقصود المسارعة إلى سبب المغفرة والجنّة ، وهو العمل الصّالح . وهذا متّفقٌ عليه بين المذاهب ، غير أنّ للمالكيّة تفصيلاً وهو أنّ التّضحية قبل الزّوال في كلّ يومٍ أفضل منها بعد الزّوال ، والتّضحية من ارتفاع الشّمس إلى ما قبل الزّوال في اليومين الثّاني والثّالث أفضل من التّضحية قبل ذلك من الفجر إلى الارتفاع ، وقد تردّدوا في التّضحية بين زوال اليوم الثّاني وغروبه ، والتّضحية بين فجر اليوم الثّالث وزواله ، أيّتهما أفضل ؟ والرّاجح : أنّ التّضحية في الوقت الأوّل أفضل ، ولا تضحية عندهم في اللّيل كما تقدّم . وتقدّم أيضاً أنّ التّضحية